الإجماع في الدلالة على الحكم المشروع مقام النص من الكتاب أو السنة المتواترة التي تفيد العلم فهذا يكون استجمارك في هذه الطهارة ثم مضمض بالذكر الحسن لتزيل به الذكر القبيح من النميمة والغيبة والجهر بالسوء من القول فلتكن مضمضتك بالتلاوة وذكر الله وإصلاح ذات البين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول وقال مشاء بنميم وقال لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس وما أشبه ذلك فهذه طهارة فيك وقد فتحت لك الباب فاجر في وضوئك وغسلك وتيممك في أعضائك على هذا الأسلوب فهو الذي طلبه الحق منك وقد استوفينا الكلام على هذه الطهارة في التنزلات الموصلية فانظرها هنالك نثرا ونظما وقد رميت بك على الطريق ولتصرف هذه الطهارة بكمالها في كل مكلف منك فإن كل مكلف منك مأمور بجميع العبادات كلها من طهور وصلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد وغير ذلك من الأعمال المشروعة وكل مكلف فيك تصرفه في هذه العبادات بحسب ما تطلبه حقيقته لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها وقد أعطى كل شئ خلقه ثم هدى أي بين كيف تستعمله فيها وهم ثمانية أصناف لا يزيدون لكن قد ينقصون في بعض الأشخاص وهم العين والأذن واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب لا زائد في الإنسان عليهم لكن قد ينقصون في بعض أشخاص هذا النوع الإنساني كالأكمه والأخرس والأصم وأصحاب العاهات فمن بقي من هؤلاء المكلفين منك فالخطاب يترتب عليه ومن خطاب الشارع تعلم جميع ما يتعلق بكل عضو من هؤلاء الأعضاء من لتكاليف وهم كالآلة للنفس المخاطبة المكلفة بتدبير هذا البدن وأنت المسؤول عنهم في إقامة العدل فيهم فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انقطع شسع نعله خلع الأخرى حتى يعدل بين رجليه ولا يمشي في نعل واحد وقد بيناها بكمالها وما لها من الأنوار والكرامات والمنازل والأسرار والتجليات في كتابنا المسمى مواقع النجوم ما سبقنا في علمنا في هذا الطريق إلى ترتيبه أصلا وقيدته في أحد عشر يوما في شهر رمضان بمدينة المرية سنة خمس وتسعين وخمسمائة يغني عن الأستاذ بل الأستاذ محتاج إليه فإن الأستاذين فيهم العالي والأعلى وهذا الكتاب على أعلى مقام يكون الأستاذ عليه ليس وراءه مقام في هذه الشريعة التي تعبدنا بها فمن حصل لديه فليعتمد بتوفيق الله عليه فإنه عظيم المنفعة وما جعلني أن أعرفك بمنزلته إلا أني رأيت الحق في النوم مرتين وهو يقول لي أنصح عبادي وهذا من أكبر نصيحة نصحتك بها والله الموفق وبيده الهداية وليس لنا من الأمر شئ ولقد صدق الكذوب إبليس رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اجتمع به فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عندك فقال إبليس لتعلم يا رسول الله أن الله خلقك للهداية وما بيدك من الهداية شئ وإن الله خلقني للغواية وما بيدي من الغواية شئ لم يزده على ذلك وانصرف وحالت الملائكة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم (وصل) وبعد أن نبهتك على ما نبهتك عليه مما تقع لك به الفائدة فاعلم أن الله خاطب الإنسان بجملته وما خص ظاهره من باطنه ولا باطنه من ظاهره فتوفرت دواعي الناس أكثرهم إلى معرفة أحكام الشرع في ظواهرهم وغفلوا عن الأحكام المشروعة في بواطنهم إلا القليل وهم أهل طريق الله فإنهم بحثوا في ذلك ظاهرا وباطنا فما من حكم قرروه شرعا في ظواهرهم إلا ورأوا أن ذلك الحكم له نسبة إلى بواطنهم أخذوا على ذلك جميع أحكام الشرائع فعبدوا الله بما شرع لهم ظاهرا وباطنا ففازوا حين خسر الأكثرون ونبغت طائفة ثالثة ضلت وأضلت فأخذت الأحكام الشرعية وصرفتها في بواطنهم وما تركت من حكم الشريعة في الظواهر شيئا تسمى الباطنية وهم في ذلك على مذاهب مختلفة وقد ذكر الإمام أبو حامد في كتاب المستظهري له في الرد عليهم شيئا من مذاهبهم وبين خطأهم فيها والسعادة إنما هي مع أهل الظاهر وهم في الطرف والنقيض من أهل الباطن والسعادة كل السعادة مع الطائفة التي جمعت بين الظاهر والباطن وهم العلماء بالله وبأحكامه وكان في نفسي إن أخر الله في عمري أن أضع كتابا كبيرا أقرر فيه مسائل الشرع كلها كما وردت في أماكنها الظاهرة وأقررها فإذا استوفينا المسألة المشروعة في ظاهر الحكم جعلنا إلى جانبها حكمها في باطن الإنسان فيسري حكم الشرع في الظاهر والباطن فإن أهل طريق الله وإن كان هذا غرضهم ومقصدهم ولكن ما كل أحد منهم يفتح الله له في الفهم حتى يعرف ميزان ذلك الحكم في باطنه فقصدنا في هذا الكتاب إلى الأمر العام من العبادات وهي الطهارة والصلاة
(٣٣٤)