الملائكة فإن الملك لا يدعو بشر ولا سيما في حق المؤمن بوجوده فكيف بتوحيده فكيف بما جاء من عنده ولا شك أن دعاء الملك مجاب لوجهين الواحد لطهارته والثاني إنه دعاء في حق الغير فهو دعاء لصاحب المال بلسان لم يعصه به وهو لسان الملك إذ هذا موجود في لسان بني آدم مع كونهم عصاة الألسنة ولكن قال الله تعالى لموسى عليه السلام ادعني بلسان لم تعصني به فقال وما هو قال دعاء أخيك لك ودعاؤك له فإن كل واحد منكما ما عصاني بلسان غيره الذي دعاني به في حقه فما دعاني له إلا بلسان طاهر وأضاف الدعاء إليه لأن الداعي نائب عن المدعو له ولسان الداعي ما عصى الله به المدعو له ومن ذلك أيضا ما خرجه مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قال لي أنفق أنفق عليك فقد أخبر الله تعالى أن إنفاقك جعل الحق ينفق عليك فهذا من أثر الصدقة في النسبة الإلهية ومن ذلك ما ذكره الترمذي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع عن ميتة السوء وهو حديث حسن غريب فهذا من أثر الصدقة الدفع وإطفاء نار الغضب فإن الله يغضب يوم القيامة غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله على الوجه الذي يليق بجلاله فإن الغضب الذي خاطبنا به معلوم بلا شك ولكن نسبته إلى الله مجهولة لا إن الغضب مجهول أو يحمل على ما ينتجه في الغاضب أو يحمل على معنى آخر لا نعلمه نحن إذ لو كان ذلك لخوطبنا بما لا نفهم فلا يكون له أثر فينا ولا يكون موعظة فإن المقصود الإفهام بما نعلم ولكن إنما جهلنا النسبة خاصة لجهلنا بالمنسوب إليه لا بالمنسوب فاعلم ذلك ولقد جرى لبعض شيوخنا من أهل الموازنة بالمغرب الأقصى أن السلطان رفع إليه في حقه أمور يجب قتله بها فأمر بإحضاره مقيدا وينادي في الناس أن يحضروا بأجمعهم حتى يسألهم عنه وكان الناس فيه على كلمة واحدة في قتله والقول بما يوجب ذلك وزندقته فمر الشيخ في طريقه برجل يبيع خبزا فقال له أقرضني نصف قرصة فأقرضه فتصدق بها على شخص عابر ثم حمل وأجلس في ذلك الجمع الأعظم والحاكم قد عزم عليه إن شهد فيه الناس بما ذكر عنه أنه يقتله شر قتلة وكان الحاكم من أبغض الناس فيه فقال يا أهل مراكش هذا فلان ما تقولون فيه فنطق لكل بلسان واحد إنه عدل رضي فتعجب الحاكم فقال له الشيخ لا تعجب فما هي هذه المسألة بعيدة أي غضب أعظم غضبك أو غضب الله وغضب النار قال غضب الله وغضب النار قال وأي وقاية أعظم وزنا وقدرا نصف قرصة أو نصف تمرة قال نصف قرصة قال دفعت غضبك وغضب هذا الجمع بنصف رغيف لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اتقوا النار ولو بشق تمرة وقال إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء وقد فعل الله ذلك دفع عني شركم وميتة السوء بنصف رغيف مع حقارتكم وعظم صدقتي فإن صدقتي أعظم من شق تمرة وغضبكم أقل من غضب النار وغضب الرب فتعجب الحاضرون من قوة إيمانه وأسوأ الموتات أن يموت الإنسان على حالة تؤديه إلى الشقاء ولا يغضب الله إلا على شقي فانظر إلى أثر الصدقة كيف أثرت في الغضب الرباني وفي أسوأ الموتات وفي سلطان جهنم فالمتصدق على نفسه عند الغضب ليس إلا بأن يملكها عند ذلك فإن ملكه إياها عند الغضب صدقة عليها من حيث لا يشعر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب فإن الغضب نار محرقة فهذا من صدقة الإنسان على نفسه ثم إن الله قد ذكر أنه لا يغفر لمشرك ومع هذا فإن الله يهون عليه بقدر ما أنفق وقد ذكر أبو داود عن عائشة قالت يا رسول الله أين عبد الله بن جدعان قال في النار قال فاشتد عليها فقال يا عائشة ما الذي اشتد عليك قالت كان يطعم الطعام ويصل الرحم قال أما أنه يهون عليه بما تقولين فيه إنه يخفف عنه بمجرد ما يذكر به من مكارم الأخلاق وقال البخاري في صحيحه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة وقد قال صلى الله عليه وسلم إن الكلمة الطيبة صدقة وكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وغير ذلك من الأذكار والأفعال التي تقتضيها مكارم الأخلاق ولقد ذكر مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دينار أنفقته في سبيل الله دينار أنفقته في رقبة دينار تصدقت به على مسكين دينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك (وصل في فصل من أنفق مما يحبه)
(٥٧٢)