في الذلة لكون الأذلاء وهم عبيد الله أمروا بالمشي في مناكبها أي عليها فمن وطئه الذليل فهو أشد مبالغة في وصفه بالذلة من الذي يطؤه فكما جبر الله كسر الأرض من هذه الذلة بما شرع من السجود عليها بالوجوه التي هي أشرف ما في ظاهر الإنسان والحجر من الأرض فصحبه ذلك الانكسار لأنه قد فارق الأرض التي هي محل سجود الجباة والوجوه الذي ينجبر به انكسارها فشرع السجود على الحجر مع كونه فارق الأرض في حال الانكسار فحصل له من الجبر نصيبه بهذا السجود لأنه حجر معتنى به وقبل لكونه يمينا منسوبا إلى الله فتقبيله للمبايعة إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله فهذه علة السجود عليه (حديث ثاني وثلاثون سواد الحجر الأسود) ذكر الترمذي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح آدم عليه السلام لولا خطيئته ما ظهرت سيادته في الدنيا فهي التي سودته وأورثته الاجتباء فما خرج من الجنة بخطيئته إلا لتظهر سيادته وكذلك الحجر الأسود لما خرج وهو أبيض فلا بد من أثر يظهر عليه إذا رجع إلى الجنة يتميز به على أمثاله فيظهر عليه خلعة التقريب الإلهي فأنزله الله منزلة اليمين الإلهي التي خمر الله بها طينة آدم حين خلقه فسودته خطايا بني آدم أي صيرته سيدا بتقبيلهم إياه فلم يكن من الألوان من يدل على السيادة إلا اللون الأسود فكساه الله لون السواد ليعلم أن ابنه قد سوده بهذا الخروج إلى الدنيا كما سود آدم فكان هبوطه هبوط خلافة لا هبوط بعد ونسب سواده إلى خطايا بني آدم كما حصل الاجتباء والسيادة لآدم بخطيئته أي بسبب خطايا بني آدم أمروا أن يسجدوا على هذا الحجر ويقبلوه ويتبركوا به ليكون ذلك كفارة لهم من خطاياهم فظهرت سيادته لذلك فهذا معنى سودته خطايا بني آدم أي جعلته سيدا وجعلت اللونية السوادية دلالة على هذا المعنى فهو مدح لا ذم في حق بني آدم ألا ترى آدم ما ذكر الله أولا للملائكة إلا خلافته في الأرض وما تعرض للملائكة فلما ظهر من الملائكة في حق آدم ما ظهر قام ذلك الترجيح منهم لأنفسهم وكونهم أولى من آدم بذلك ورجحوا نظرهم على علم الله في ذلك فقام لهم ذلك مقام خطايا بني آدم فكان سببا لسيادة آدم على الملائكة فأمروا بالسجود له لتثبت سيادته عليهم فالسعيد من وعظ بغيره فالعاقل منا لا يعترض على الله فيما يجريه في عباده من تولية من يحكم بهواه ولا يعمل في رعيته بما شرع له فلله في ذلك حكم وتدبير فإن الله أمر بالسمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله إذ قد جعله الله لذلك الأمر فإن عدل فلنا وله وإن جار فلنا وعليه فنحن في الحالين لنا فنحن السعداء وما نبالي بعد ذلك إذا أثبت الله السعادة لنا بما يفعل في خلقه فإن تكلمنا في ولاتنا وملوكنا بما هم عليه من الجور سقط ما هو لنا في جورهم وأسأنا الأدب مع الله حيث رجحنا نظرنا على فعله في ذلك لأن لنا الذي هو في جورهم هو نصيب أخروي بلا شك فقد حرمناه نفوسنا ومن حرم نفسه أجر الآخرة فهو من الخاسرين والذين لنا إذا عدلوا فهو نصيب دنيوي والدنيا فانية ونحن قد فرحنا وآثرنا نصيب الدنيا على نصيب الآخرة من حيث لا نشعر لاستيلاء الغفلة علينا فكنا بهذا الفعل ممن أراد حرث الدنيا كما إن قوله إذا عدلوا فلهم نصيب أخروي فزهدوا فيه بجورهم فعاد عليهم وبال ذلك الجور فالمسلم من سلم وفوض ورأى أن الأمور كلها بيد الله فلا يعترض إلا فيما أمر أن يعترض فيكون اعتراضه عبادة وإن سكت في موضع الاعتراض كان حكمه حكم من اعترض في موضع السكوت جعلنا الله من الأدباء المهذبين الذين يقضون بالحق وبه يعدلون واقعة قيل لي فيها وفيه مناسبة من هذا الحديث ما يعلم من الله وما يجهل فقلت العلم بالله ديني إذ أدين به * والجهل بالعين إيماني وتوحيدي فقيل لي صدقت هذا قوله تعالى ويحذركم الله نفسه فما عندك في تجليه فقلت في كل مجلي أراه حين أشهده * ما بين صورة تنزيه وتحديد فقيل لي سبحان من تنزه عن التنزيه بالتشبيه وعن التشبيه بالتنزيه قيل لأبي سعيد الخراز بم عرفت الله فقال
(٧٥١)