عبدا في الصلاة والعبودة هي الذلة وقال تعالى في وصف الأرض إنه جعلها لنا ذلولا فنمشي في مناكبها فهي تحت أقدامنا وهذا غاية الذلة من يكون يطئوها الذليل ولما كانت بهذه المنزلة من الذلة أمرنا أن نضع عليها أشرف ما عندنا في ظاهرنا وهو الوجه وإن نمرغه في التراب فعل ذلك جبر الانكسار الأرض بوطء الذليل عليها الذي هو العبد فاجتمع بالسجود وجه العبد ووجه الأرض فانجبر كسرها فإن الله عند المنكسرة قلوبهم فكان العبد في ذلك المقام بتلك الحالة أقرب إلى الله سبحانه من سائر أحوال الصلاة لأنه سعى في حق الغير لا في حق نفسه وهو جبر انكسار الأرض من ذلتها تحت وطء الذليل لها فتنبه لما أشرت إليك فإن الشرع ما ترك شيئا إلا وقد أشار إليه إيماء علمه من علمه وجهله من جهله ولهذا لم يعلم أسرار هذه الأمور إلا أهل الكشف والوجود فإن جميع العالم يخاطبونهم ويعرفونهم بحقائقهم ولقد أخبرني أبو العباس الحريري بمصر سنة ثلاث وستمائة عن أبي عبد الله القرياقي أنه كان يمشي معه في سويقة وردان وكان قد اشترى قصرية صغيرة لابن صغير كان عنده ليبول فيها فضمهم منزل والقصرية عنده جديدة ومعهم رجال صالحون فأرادوا أكل شئ فطلبوا إداما يأتدمون به فاتفق رأيهم على أن يشتروا قطارة السكر فقالوا هذه القصرية ما مسها قذر وهي جديدة على حالها فملؤها قطارة وقعدوا يأكلون إلى أن فرغوا وانصرف الناس ومشى صاحب القصرية بها مع أبي العباس قال أبو العباس فوالله لقد سمعت بإذني هذه وسمع معي الشيخ أبو عبد الله القرياقي القصرية وهي تقول بعد أن أكل في أولياء الله أكون وعاء للقذر والله لا كان ذلك وانتفضت من يده وسقطت على الأرض فتكسرت قال أبو العباس فأخذنا من كلامها حال فلما قال لي ذلك قلت له إنكم غبتم عن وجه موعظة القصرية إياكم ليس الأمر كما زعمتم وكم من قصرية أكل فيها من هو خير منكم وبعد ذلك استعملت في القذر وإنما قالت لكم يا إخواني لا ينبغي لكم بعد أن جعل الله قلوبكم أوعية لمعرفته وتجليه أن تجعلوها وعاء للأغيار وما نهاكم الله أن تكون قلوبكم وعاء له ثم تكسرت أي هكذا فكونوا مع الله فقال لي ما جعلنا بالنا لما نبهتنا عليه (فصل بل وصل في اشتمال الصلاة على أقوال وأفعال) أما الشروط المشترطة في الصلاة فمنها أقوال ومنها أفعال أما الأفعال فجميع الأفعال المباحة التي ليست أفعال الصلاة إلا قتل الحية والعقرب في الصلاة فإنهم اختلفوا في ذلك واتفقوا على أن الفعل الخفيف لا يبطل الصلاة الاعتبار في النفس في ذلك عقرب الهوى وحية الشهوة تخطر للمناجي ربه فهل يقتلهما أو يصرفهما في مصرفهما الذي عين لهما الشارع لما علم العارف أن قتلهما محال فيهوي ما عند الله بهواه ويشتهي دوام مناجاته بشهوته فيرى بأن لا يقتلهما من هذا مذهبه ويرى قتلهما من يرى أنهما قد حالا بينه وبين مناجاته ربه وأما الأقوال فإنها أيضا التي ليست من أقوال الصلاة فلم تختلف العلماء في أنها تفسد الصلاة عمدا إلا أن العلماء اختلفوا من ذلك في موضعين الموضع الواحد إذا تكلم ساهيا والموضع الآخر إذا تكلم عامدا لإصلاح الصلاة ومن قائل وهو قول شاذ إن من تكلم في الصلاة عامد الأحياء نفس أو أمر كبير إنه يبني على ما مضى من صلاته ولا يفسدها ذلك وهو مذهب الأوزاعي ومن قائل إن الكلام عمدا لإصلاح الصلاة لا يفسدها ومن قائل إن الكلام يفسدها كيف كان إلا مع النسيان ومن قائل إن الكلام يفسدها مع النسيان ومع غير النسيان الاعتبار المصلي يناجي ربه فإذا ناجى غيره من أجله ما زال من مناجاة ربه وإذا ناجى غيره لا من أجل ربه فقد خرج عن صلاته والنسيان في مناجاة الحق غير معتبر إلا من غلب من أصحابنا على المناجي مشاهدة الحجاب فإن الله لا يناجي عبده إلا من وراء حجاب كما قال تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب وأقرب الحجب الصورة التي يقع فيها التجلي هذا أقرب الحجب فإنه ما هو الصورة ولا غيرها فمن شغلته الصورة عن نسبة ما هو الصورة أو شغله ما هو الصورة عن نسبة هو الصورة فهو الناسي في الحالتين فيكون حكمه في الاعتبار كحكمه في الظاهر من الخلاف الواقع بين العلماء فافهم (فصل بل وصل في النية في الصلاة) فمن قائل إنها شرط في صحة الصلاة بل قد اتفق العلماء عليها إلا من شذ اعتبار النفس في ذلك قد يقصد العبد مناجاة ربه
(٤١٠)