الصنف من العذاب هو حكمه في النار وكذلك من شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا أي هذا النوع من العذاب يعذب به هذا الكافر وقد ورد من قتل نفسه بشئ عذب به وأما المؤمن فحاشى الايمان بتوحيد الله أن يقاومه شئ فتعين إن ذلك النص في المشرك وإن لم يخص الشارع في هذا الخبر صنفا بعينه فإن الأدلة الشرعية تؤخذ من جهات متعددة ويضم بعضها إلى بعض ليقوي بعضها بعضا لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا كذلك الايمان بكذا يشد للإيمان بكذا فيقوي بعضه بعضا فإن أهل الجنة إنما يرون ربهم رؤية نعيم بعد دخولهم الجنة كما ورد في الخبر في الزيارة إذا أخذ الناس أماكنهم في الجنة فيدعون إلى الرؤية فيمكن إن الله قد خص هذا الذي بادره بنفسه فقتل نفسه أن يكون قوله حرمت عليه الجنة قبل لقائي فيتقدم للقاتل نفسه لقاء الله رؤية نعيم وحينئذ يدخل الجنة فإن القاتل نفسه يرى أن الله أرحم به مما هو فيه من الحال الموجبة له إلى هذه المبادرة فلو لا ما توهم الراحة عند الله من العذاب الذي هو فيه لما بادر إليه والله يقول أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا والقاتل نفسه إذا كان مؤمنا فظنه بربه حسن فظنه بربه الحسن هو الذي جعله أن يقتل نفسه وهذا هو الأليق أن يحمل عليه لفظ هذا الخبر الإلهي إذ لا نص بالتصريح على خلاف هذا التأويل وإن ظهر فيه بعد فلبعد الناظر في نظره من الأصول المقررة التي تناقض هذا التأويل بالشقاء المؤبد فإذا استحضرها ووزن عرف ما قلناه وفي الأخبار الصحاح أخرجوا من النار من كان في قلبه أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فلم يبق إلا ما ذكرناه ولم يقل الله في هذا الخبر إلا أنه حرم عليه الجنة خاصة فإن قلنا ولا بد بالعقوبة فتكون الجنة محرمة عليه أن يدخلها دون عقاب مثل أهل الكبائر فيكون نصا في القاتل نفسه وغيره من أهل الكبائر في حكم المشيئة فإن صاحب السجلات لا يدخل النار مع أنه من أهل الكبائر إذ ليس معه سوى قول لا إله إلا الله في طول إسلامه مدة حياته في الدنيا فغايته أن يتحقق إنفاذ الوعيد في القاتل نفسه قبل دخول الجنة وإنه لا يغفر له والله أكرم أن ينسب إليه نفاذا لوعيد بل ينسب إليه المشيئة وترجيح الكرم كما وصف بعض الأعراب مع كونه من أهل الأغراض نفسه وإني إذا أوعدته أو وعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي ولذا ما ورد في الشرع نص في الإيعاد وورد في الوعد ولا تحسبن الله مخلف وعده فالإيعاد في الشر خاصة والوعد يكون في الخير والشر معا (وصل في فصل حكم الشهيد المقتول في المعركة) فمن قائل لا يصلى عليه ولا يغسل ومن قائل يصلى عليه ولا يغسل (الاعتبار) الحياة المنسوبة إلى الشهيد في المعركة من رأى أن الله أخذ بأبصارنا عن إدراك حياة الشهيد وأنه لحي يرزق كحياة زيد وعمر وفي نفس الأمر وهذا ليس ببعيد فإن الحي بهذه المثابة لا يصلى عليه ومن رأى أن الصلاة إنما هي الدعاء له بكونه انقطع عمله في الدنيا وإن كان حيا عند ربه لكنه غير عامل قال يصلى عليه أي يدعى له مثل ما يدعى للميت لانقطاعه عن العمل المقرب له إلى الدرجات التي لا تحصل إلا بالعمل من العامل نفسه أو ممن ينوب عنه في عمله كمن يصوم عن وليه إذا مات أو يحج عنه إذا مات أو لم يستطع فتقوم الصلاة على الشهيد من المصلي مقام العمل منه لو كان في حال لم ينقطع العمل منه (وصل في فصل حكم الصلاة على الطفل) فمن قائل لا يصلى عليه حتى يستهل صارخا ومن قائل يصلى عليه إذا كمل أربعة أشهر لوجود الروح عند هذه المدة (الاعتبار) أمرنا الله بالصلاة على الميت في السنة ولم يقل الميت عن حياة متقدمة فنحن إذا رأينا صورة الجنين ولو كان أصغر من البعوضة بحيث تكون أعضاؤه مصورة حتى يعلم أنه إنسان وإن كان قبل نفخ الروح فيه فإنه ينطلق بالشرع على تلك الصورة أنها ميتة قال تعالى وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم فأطلق علينا اسم الموت قبل نفخ الروح فالمصلي على الجنين إذا خرج عينه بالطرح وشاهدناه صورة وإن لم ينفخ فيه روح للصورة الظاهرة وتحقق اسم الموت فلا مانع للصلاة عليه بوجه من الوجوه ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا يصلى على ميت
(٥٣٥)