للإقامة حكم وصفة أما حكمها فاختلف الناس فيها فقوم قالوا إنها سنة مؤكدة في حق الأعيان والجماعات أكثر من الأذان وقوم قالوا هي فرض وهو مذهب بعض أهل الظاهر فإن أرادوا أنها فرض من فروض الصلاة تبطل الصلاة بسقوطها وإن لم يقولوا ذلك صحت الصلاة ويكون عاصيا بتركها على أني رأيت لبعضهم إن الصلاة فتبطل بتركها ومن قائل إنه من تركها عامدا بطلت صلاته وهو مذهب ابن كنانة اعتبار ذلك في الحكم الإقامة لأجل الله فرض لا بد منه والإقامة لما أمرنا الله أن أقيم له فنحن فيه بحسب قرائن الأحوال فإذا أعطت قرينة الحال إن ذلك الأمر على الوجوب أوجبناها مثل قوله أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ومثل قوله أقيموا الصلاة ومثل قوله أقيموا الوزن بالقسط فهذا هو حد الواجب فإن رجحت الوزن في القضاء فهو أفضل فإنك قد امتثلت أمر الله فإنه ما رجح الميزان حتى اتصف بالإقامة التي هي حد الواجب ثم رجح والذي يخسر الميزان ما بلغ بالوزن حد الإقامة حتى يحصل الواجب مثل ما فعل المرجح فما حمدنا المرجح إلا لحصول إقامة الوزن لا للترجيح ثم أثنينا عليه ثناء آخر بالترجيح فالمرجح محمود من وجهين فاعلم وحمده من جهة الإقامة أعلى لأنه الحمد الوجوبي فحمد الترجيح نافلة إلا فيمن يحمل الأمر في ذلك على الوجوب وهو قوله صلى الله عليه وسلم في القاضي ما عليه إذا وزنت فارجح فأمره بالرجحان وأكد في ذلك قولا وفعلا وإذا لم يكن الأمر على الوجوب لقرينة حال كانت الإقامة بحسب ذلك فهذا اعتبار حكم الإقامة بوجه ينفع في دين الله من وقف على هذا الكتاب وعمل بما قررناه فيه فإنه ما قررنا فيه أمرا غير مشروع لله الحمد وإن كنا لم نتعرض لذكر الأدلة مخافة التطويل فما خرجنا بحمد الله عن الكتاب والسنة فيه كما قال الجنيد علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة (وأما صفة الإقامة) فعند قوم التكبير الذي في أولها مثنى وما بقي فيها فرد والتكبير الذي بعد الإقامة مثنى وعند قوم مثل ذلك إلا الإقامة فإنها مثنى وقوم خيروا بين التثنية والإفراد وقوم قالوا بالتثنية في الكل وتربيع والتكبير الأول مع الاتفاق في توحيد التهليل الآخر الاعتبار أما من ثنى أي من زاد على الواحدة فللمراتب التي ذكرناها في الأذان على السواء ولم نعدل لاعتبار آخر لأنها جاءت في ظاهر الشريعة بلفظ الأذان لا بلفظ آخر إلا الإقامة فانفردت بها الإقامة عن الأذان وهي قوله قد قامت الصلاة فهو إخبار عن ماض والصلاة مستقبلة فهي بشرى من الله لعباده لمن جاء إلى المسجد ينتظر الصلاة أو كان في الطريق يأتي إليها أو كان في حال الوضوء بسببها أو كان في حال القصد إلى الوضوء قبل الشروع فيه ليصلي بذلك الوضوء فيموت في بعض هذه المواطن كلها فله أجر من صلاها وإن كانت ما وقعت منه فجاء بلفظ الماضي لتحقق الحصول فإذا حصلت بالفعل فله أجر الحصول بالفعل وأجر الحصول الذي يحصل لمن مات في هذه المواطن قبل إن يدخل في الصلاة وقد ورد في الخبر أن الإنسان في صلاة ما دام ينتظر الصلاة فلهذا جاء بلفظ الماضي وهو الحاصل في قوله قد قامت الصلاة وإقامة الصلاة تمام نشأتها وكمالها أي هي لكم قائمة النشأة كاملة الهيئة على حسب ما شرعت فإذا دخلتم فيها وأجرتم الأجر الثاني فقد يكون مثل الأول في إقامة نشأتها وقد لا يكون فإن المصلي قد يأتي بها خداجا غير كاملة فتكتب له خداجا من حيث فعله بخلاف ما تكتب له قبل الفعل فانظر ما أعظم فضل الله على عباده وسبب ذلك قول الله تعالى قل فلله الحجة البالغة فإنه لو أثابه عليها قبل وقوعه بحسب علمه به فيها من أخداجها ربما قال العبد لو أحييتني حتى أؤديها لأقمت نشأتها على أكمل الوجوه فأعطى الله جل وعز سبحانه عبده ذلك الثواب على أكمل الأداء لله الحمد والمنة على ذلك (فصل بل وصل في القبلة) اتفق المسلمون على إن التوجه إلى القبلة أعني الكعبة شرط من شروط صحة الصلاة لولا إن الإجماع سبقني في هذه المسألة لم أقل به إنه شرط فإن قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله نزلت بعده وهي آية محكمة غير منسوخة ولكن انعقد الإجماع على هذا وعلى قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله محكما في الحائر الذي جهل القبلة فيصلي حيث يغلب على ظنه باجتهاده بلا خلاف وإن ظهر له بعد ذلك أنه صلى لغير القبلة لم يعد بخلاف في ذلك بخلاف من لم يجد سبيلا إلى الطهارة فإنه قد وقع الخلاف فيه هل يصلى أم لا ثم إنه لا خلاف إن الإنسان إذا عاين البيت إن الفرض عليه هو استقبال عينه وأما إذا لم ير البيت فاختلف علماؤنا في موضعين من هذه المسألة الموضع الواحد هل الفرض هو العين أو الجهة والموضع الثاني
(٤٠٤)