حقيقة هذا الكلام لغموضه وهو قول المحققين من العلماء المتقدمين والمتأخرين لكن أطلقوا هذه اللفظ ولم يوضحوا معناها وقد قال لنا بعض سفراء الحق في منازلة في الظلمة والنور إن الخير في الوجود والشر في العدم في كلام طويل علمنا إن الحق تعالى له إطلاق الوجود من غير تقييد وهو الخير المحض الذي لا شر فيه فيقابله إطلاق العدم الذي هو الشر المحض الذي لا خير فيه فهذا هو معنى قولهم إن العدم هو الشر المحض (مسألة) لا يقال من جهة الحقيقة إن الله جائز أن يوجد أمرا ما وجائز أن لا يوجده فإن فعله للأشياء ليس بممكن بالنظر إليه ولا بإيجاب موجب ولكن يقال ذلك الأمر جائز أن يوجد وجائز أن لا يوجد فيفتقر إلى مرجح وهو الله تعالى وقد تقضينا الشريعة فما رأينا فيها ما يناقض ما قلناه فالذي نقول في الحق إنه تعالى يجب له كذا ويستحيل عليه كذا ولا نقول يجوز عليه كذا فهذه عقيدة أهل الاختصاص من أهل الله وأما عقيدة خلاصة الخاصة في الله تعالى فأمر فوق هذا جعلناه مبددا في هذا الكتاب لكون أكثر العقول المحجوبة بأفكارها تقصر عن إدراكه لعدم تجريدها وقد انتهت مقدمة الكتاب وهي عليه كالعلاوة فمن شاء كتبها فيه ومن شاء تركها والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الثالث والحمد لله (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الأول) في معرفة الروح الذي أخذت من تفصيل نشأته ما سطرته في هذا الكتاب وما كان بيني وبينه من الأسرار فمن ذلك نظم قلت عند الطواف كيف أطوف * وهو عن درك سرنا مكفوف جلمد غير عاقل حركاتي * قيل أنت المحير المتلوف انظر البيت نوره يتلألأ * لقلوب تطهرت مكشوف نظرته بالله دون حجاب * فبدا سره العلي المنيف وتجلى لها من أفق جلالي * قمر الصدق ما اعتراه خسوف لو رأيت الولي حين يراه * قلت فيه مدله ملهوف يلثم السر في سواد يميني * أي سر لو أنه معروف جهلت ذاته فقيل كثيف * عند قوم وعند قوم لطيف قال لي حين قلت لم جهلوه * إنما يعرف الشريف الشريف عرفوه فلازموه زمانا * فتولاهم الرحيم الرؤوف واستقاموا فما يرى قط فيهم * عن طواف بذاته تحريف قم فبشر عني مجاور بيتي * بأمان ما عنده تخويف إن أمتهم فرحتهم بلقائي * أو يعيشوا فالثوب منهم نظيف اعلم أيها الولي الحميم والصفي الكريم أني لما وصلت إلى مكة البركات ومعدن السكنات الروحانية والحركات وكان من شأني فيه ما كان طفت ببيته العتيق في بعض الأحيان فبينا أنا أطوف مسبحا وممجدا ومكبرا ومهللا تارة ألثم واستلم وتارة للملتزم التزم إذ لقيت وأنا عند الحجر الأسود باهت الفتى الفائت المتكلم الصامت الذي ليس بحي ولا مائت المركب البسيط المحاط المحيط فعند ما أبصرته يطوف بالبيت طواف الحي بالميت عرفت حقيقته ومجازه وعلمت إن الطواف بالبيت كالصلاة على الجنازة وأنشدت الفتى المذكور ما تسمعه من الأبيات عند ما رأيت الحي طائفا بالأموات شعر * ولما رأيت البيت طافت بذاته * شخوص لهم سر الشريعة غيبي وطاف به قوم هم الشرع والحجا * وهم كحل عين الكشف ما هم به عمى تعجبت من ميت يطوف به حي * عزيز وحيد الدهر ما مثله شئ تجلى لنا من نور ذات مجله * وليس من الأملاك بل هو أنسي
(٤٧)