وسلم وفيه معارج الأرواح في النوم لرؤية الآيات ولما تحققت هذه الأمور كلها خص سبحانه هذا المكان بلفظ البيت فسماه بيتا فافهم ما أشرنا إليه فقال جل وتعالى ولله على الناس إشارة إلى النسيان ولم يقل على بني آدم حج البيت يعني قصد هذا المكان من كونه بيتا ليتنبه باسمه على ما قصد به دون غيره من استطاع إليه سبيلا أي من قدر على الوصول إليه ولذلك شرع وإياك نستعين وأمثاله فالإجابة لله بالتلبية لدعائه ورفع الصوت به من أجل البيت لبعده عن المدعو فإنه دعاه من البيت لأنه دعاه ليراه فيه لتجليه كما أسرى بعبده ليلا ليريه من آياته التي هي دلائل عليه وقد يكون ظهور الشئ للطالب دليلا على نفسه فيكون من آياته أن يتجلى له فيراه فيكون له دليلا على نفسه وهذا مذهب ابن عباس فوجب رفع الصوت بالتلبية وهو الإهلال لأجل ما للبيت من الحظ في هذا الدعاء فإنه المقصود في اللفظ فهو الحجاب على الوجه المقصود فإن كنت محمدي المشهد فلا تزد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فتراه بعينه فإنه لا يتجلى لك بتلبيته إلا ما تجلى له وقد تقرر أنه أعلم الخلق بالله والعلم بالله لا يحصل إلا من التجلي وقد تجلى لك في تلبيتك هذه فنظرته بعين محمد صلى الله عليه وسلم وهي أكمل الأعين لأنه أكمل العلماء بالله والله مع العبد في شهوده على قدر علمه به فإن زدت على هذه التلبية فقد أشركت حيث أضفت إليها تلبية أخرى وأنت تعلم أن الجمع يعطي من الحكم ما لا يعطي الإفراد فلا تتخيل أنك لما جئت بتلبيته صلى الله عليه وسلم كاملة ثم زدت عليها ما شئت إن باستيفائك إياها يحصل لك ما حصل لمن لم يزد عليها هذا جهل من قائله بما هي عليه حقائق الأمور ألا تراه صلى الله عليه وسلم لزم تلبيته تلك وما زاد عليها ولا أنكر على أحد ما لبى به فلم يكن لزومه إياها باطلا فالزم الاتباع تكن عبدا ولا تبتدع في العبودية حكما فتكون بذلك الابتداع ربا فإنه البديع سبحانه فالزم حقيقتك تحظ به وإن شاركته لم تحظ به فإنه لا يشارك فتقع في الجهل لأن الشركة لا تصح في الوجود لأن الوجود على صورة الحق وما في الحق شريك بل هو الواحد الشركة ما لها مصدر تصدر عنه فتحقق هذا التنبيه في الشركة فإنه بعيد أن تسمعه من غيري وإن كان معلوما عنده فإنه يحكم عليه الجبن الذي فطر عليه فيفزع من كون الحق أثبت الشركة وصفا في المخلوق وما شعر هذا الناظر بقوله أنا أعني الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فإنا منه برئ وهو الذي أشرك فما قال إن الشركة صحيحة ولا إن الشريك موجود إذ لا يصح وجود معنى الشركة على الحقيقة لأن الشريكين حصة كل واحد منهما معينة عند الله وإن جهلها الشريكان فأنت الذي أشركت وما في نفس الأمر شركة لأن الأمر من واحد هذا هو الحق الذي * إن قلته لا تغلب وما سوى هذا فلا * فهو مثال يضرب مثل تقدير وجود المحال وجوده بحكم الفرض ولما كان القصد إلى البيت والبيت في الصورة ذو أربعة أركان وفي الوضع الأول ذو ثلاثة أركان كان القصد على صورة البيت في أكثر المذاهب فأركان الحج أربعة الإحرام والوقوف والسعي وطواف الإفاضة هذا هو الذي عليه أكثر الناس ومن راعى صورة البيت في الوضع الأول كان عنده على التثليث لم ير طواف الإفاضة فرضا فأقام البيت على شكل مثلث متساوي الساقين لا متساوي الأضلاع ولا يصح أن يكون متساوي الأضلاع إذ لو كان لم يكن ثم من يميز الساقين لأنه مثلهما ولا بد من تساوى الساقين والتمييز بينهما وهما اليدان والقبضتان وإنما سميتا ساقين للاعتماد الذي في حقيقة الساق ولما كان الاعتماد على القبضتين وإليهما يرجع حكم الأمر في الدارين الجنة والنار وما ثم غيرهما كان اسم الساق أولى والتفت الساق بالساق فلا بد من التساوي حتى يصح الالتفاف عليه كله من كله وما زاد على هؤلاء الأربعة وجعل ركنا فمن نظر آخر خارج عن شكل البيت وصورته فهو بمنزلة من يطلب أمرا فيرى ما يشبهه فيقول هو هو وإن كان هو اعتبار صحيح ولكن ما له هذا الظهور في الشبه لأن الصورة لا تشهد له أعني صورة البيت الذي هو المقصود بالحج لا غير (وصل في فصل الإحرام أثر صلاة) وهو مستحب عند العلماء فرضا كان أو نفلا غير أن بعضهم يستحب أن يتنفل له بركعتين فإنه أولى إذ كانت السنة
(٦٩٦)