ممن جعله الله نورا أو كان الحق سمعه وبصره فلا يتصرف فيما يتصرف فيه إلا بصفة ربانية والصفات الإلهية على قسمين صفة إلهية تقتضي التنزيه كالكبير والعلي وصفة إلهية تقتضي التشبيه كالمتكبر والمتعالي وما وصف الحق به نفسه مما يتصف به العبد فمن جعل ذلك نزولا من الحق إلينا جعل الأصل للعبد ومن جعل ذلك للحق صفة إلهية لا تعقل نسبتها إليه لجهلنا به كان العبد في اتصافه بها يوصف بصفة ربانية في حال عبوديته فيكون جميع صفات العبد التي يقول فيها لا تقضي التنزيه هي صفات الحق تعالى لا غيرها غير أنها لما تلبس بها العبد انطلق عليها لسان استحقاق للعبد والأمر على خلاف ذلك وهذا هو الذي يرتضيه المحققون من أهل طريقنا على أنه ما رأينا أحدا نص عليه ولا حققه ولا أبداه مثل ما فعلنا نحن وهو قريب إلى الأفهام إذا وقع الإنصاف وذلك أن العبد ما استنبطه ولا وصف الحق به ابتداء من نفسه وإنما الحق وصف بذلك نفسه على ما بلغت رسله وما كشفه لأوليائه ونحن ما كنا نعلم هذه الصفات إلا لنا لا له بحكم الدليل العقلي فلما جاءت الشرائع بذلك وقد كان هو ولم نكن نحن علمنا إن هذه الصفات هي له بحكم الأصل ثم سرى حكمها فينا منه فهي له حقيقة وهي لنا مستعارة إذ كان ولا نحن فالأمر فيها على ما مهدناه هين المأخذ قريب المتناول فلا يهولنك ذلك إذ كان الحق به متكلما وأنت السامع فإن قيل لك في ذلك شئ فليكن جوابك للمعترض أن تقول له أنا ما قلته هو قال ذلك عن نفسه فهو أعلم بما نسبه إلى نفسه ونحن مؤمنون به على حد علمه فيه وهذه أسلم العقائد فمن كشف له الحق تعالى صورة تلك النسبة كان على علم من الله تعالى بها ذوقا وشربا ولولا هذا الامتزاج ما صح أن يكون الإنسان والحيوان من نطفة أمشاج فأظهر الكل بالكل وضرب الكل في الكل فظهرنا به له ولنا فنحن به من وجه وما هو بنا لأنه الظاهر ونحن على أصلنا وإن كنا أعطينا باستعدادنا في أعياننا أمورا لها سمي بما يظنه المحجوب أسماء لنا من عرش وكرسي وعقل ونفس وطبيعة وفلك وجسم وأرض وسماء وماء وهواء ونار وجماد ونبات وحيوان وإنسان وجان كل ذلك لعين واحدة ليس إلا فسبحان الأعلى المخصوص بالأسماء الحسنى والصفات العلى وقد علم من هو الأولى بصفة الآخرة والأولى فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم والإنسان ظلوم بما غصب من هذه الصفات من حيث جعلها لنفسه حقيقة جهول بمن هي له وبأنها غصب في يده فمن أراد أن يزول عنه وصف الظلم والجهالة فليرد الأمانة إلى أهلها والأمر المغصوب إلى صاحبه والأمر في ذلك هين جدا والعامة تظن أن ذلك صعب وليس كذلك (وصل في فصل الفسخ) وهو أن ينوي الحج وليس معه هدي فيحول النية إلى العمرة فيعتمر ويحل ثم ينشئ الحج فمن قائل بجوازه ومن قائل بوجوبه ومن قائل بأن ذلك لا يجوز وبالوجوب أقول العمرة حج أصغر فجاز تحويل النية إليها وكيف لا وقد تضمن فعلها الحج الأكبر فقام طواف الحج الأكبر وسعيه للقارن مقام ما للعمرة من الطواف والسعي وهما ركنان فاندرجت العمرة التي هي الحج الأصغر في الحج الأكبر وصارا عينا واحدة فجاز الفسخ لعدم الهدى فإن الهدية من القادم للذي قدم عليه معتادة فإذا لم يجئ بها كلف أن لا يدخل على من قصده بالنية الأولى حتى يتمتع ويهدي ولا بد ولكن لا يقدم هديه حتى ينشئ نية أخرى بالقصد على حسب ما نواه فإذا أحرم بالحج أي نوى قصد الكبير سبحانه لا المتكبر الذي هو بمنزلة العمرة التي هي حج أصغر قدم الهدى الذي أوجبه التمتع أما نسيكة على ما تيسروا ما صوما لمن قصده بتلك الزيارة فهي الهدية له فإن الصوم له وهو الذي نزل عليه الحاج فلذلك كان الصوم هدية لأنه يستحقها بل هي أليق به من الهدى فإنه لا يناله من الهدى إلا التقوى خاصة من المهدي والصوم كله هو له فهو أعظم في الهدية وإنما جعله الله لمن لم يجد هديا لأن الهدى ينال الحق منه التقوى وينال العبد منه ما يكون له به التغذي وقوام نشأته فراعى سبحانه منفعة العبد مع ما للحق فيه من نصيب التقوى مع الوجود فإذا لم يجد رفق به سبحانه فأوجب عليه الصوم إذ كان الصوم له ولم يوجب عليه غير ذلك لأنه ليس له من عمل العباد إلا الصوم فأقامه مقام الهدية بل هو أسنى وقنع منه بثلاثة أيام في الحج رفقا به حتى يكون قد أتى إليه بشئ فيفرح القادم بتلك التقدمة التي قدمها لربه في هذا
(٦٩١)