عضوا عضوا حمل الكل للجزء كذلك الإنسان بجملته لمن يحمله فهو طائف لا طائف وساع لا ساع وواقف لا واقف وما سمي بالحاج إلا بهذه الأفعال وهو محمول فيها بسعي حامله ووقوفه ومع هذا ينسب إليه فنبهك على ما هو الأمر عليه يقول لك وإن قال لك اعمل فهو العامل بك لا أنت ثم ينسب العمل إليك ويجعل الجزاء للعمل لا لك غير أن العمل ليس بمحل للتنعم والتألم بالجزاء ولا بد له من قائم يقوم به فليكن محله من نسب الفعل إليه حسا وهو المكلف وعاد الحامل له كالآلة وإذا كان الحامل هو الله كان المحمول لظهور ذلك الفعل فيه كالآلة له وهذا عكس الأول فلهذا طاف وسعى ووقف ورمى راكبا ليراه الناس فيتأسون وأهل الله فيعتبرون لمعرفتهم بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الحالة مع تمكنه أن يفعل هذه الأفعال من غير ركوب (حديث تاسع وعشرون إلحاق اليدين بالرجلين في الطواف) ذكر الدارقطني عن أم كبشة أنها قالت يا رسول الله إني آليت أن أطوف بالبيت حبوا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم طوفي على راحلتك سبعين سبعا عن يديك وسبعا عن رجليك اليدان للإنسان كالجناحين للطائر فكما يسبح في الأرض برجليه حين يمشي كذلك يسبح في الماء بيديه إذا مشى فيه ومع كون الإنسان يمشي على رجليه فإنه يستعين بحركة يديه إذا مشى ولما كان باطن الإنسان وهو روحه ملكا في الحقيقة من ملائكة التدبير وهم النوع الثالث من الملائكة وقد أخبر الله تعالى عن الملائكة أنهم ذووا أجنحة وما خص ملكا من ملك فنعلم قطعا إن نفوسنا من حيث هي من الملائكة الذين مقامهم تدبير هذه الأجسام العنصرية إنهم ذووا أجنحة وجعلت هذه الأجسام الطبيعية حجابا دوننا عن إدراكنا إياها ألا ترى إلى جبريل عليه السلام لما تجسد في صورة دحية وفي صورة الأعرابي ما ظهر لعين أجنحته عين جملة واحدة حكم على سترها ظهور صورة الجسم الذي ليس من شأنه أن يكون له جناح مع كون جبريل له ستمائة جناح فلما كانت لهم السباحة بالأجنحة التي بها يمشون في الهواء وهو ركن من الأربعة الأركان كما هي الرجلان للسعي في ركن التراب ألحق اليد بالرجلين فقال لها في هذا القول طوفي سبعا عن روحك لأن مشيه بالجناحين وهو قوله عن يديك وسبعا عن رجليك لأن بهما يكون المشي في الطواف وغيره فضاعف عليها التكليف لما جعلت المشي في غير آلته فافهم (حديث ثلاثون في الاضطباع في الطواف) ذكر الترمذي عن يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت مضطبعا وعليه برد قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح الاضطباع أن يكون طرف من الرداء على كتفك اليسرى وما بقي منه تتأبطه تحت ذراعك اليمنى ثم تمر به إلى صدرك إلى كتفك اليسرى فتغطيها بطرفه فيكون الكتف الأيمن مكشوفا والأيسر مستورا هذا ليجمع بين حالتي الستر والتجلي والغيب والشهادة والسر والعلن وإنما وقع الستر من جهة القلب لأنه موضع الغيب من الإنسان وعنه تظهر الأفعال في عالم الشهادة وهي الجوارح فلو لا قصده لتحريكها ما ظهرت عليها حركة فذلك تأثير الغيب في الشهادة وأصل ذلك من العلم الإلهي قول الله تعالى في الذكر إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه اعلم أن له ذكرا مستورا نسبه إلى نفسه وأن له ذكرا علانية والعين واحدة ما لها وجهان مع وجود الاختلاف في الحكم وعن هذه النسبة الإلهية ظهر العالم في مقام الزوجية فقال ومن كل شئ خلقنا زوجين وإن كان واحدا فله نسبتان ظاهرة وباطنة إذ كان هو الظاهر والباطن فما أعز معرفة الله على أهل النظر الفكري وما أقربها على أهل الله جعلنا الله من أهله (حديث حادي وثلاثون السجود على الحجر عند تقبيله) ذكر البزار عن جعفر بن عبد الله بن عثمان المخزومي قال رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر ثم سجد عليه قلت ما هذا قال رأيت خالك ابن عباس قبل الحجر ثم سجد عليه وقال رأيت عمر قبله وسجد عليه وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبله وسجد عليه لما كان الحجر أرضيا وجعل الله الأرض ذلولا وهي لفظة مبالغة في الذلة فإن فعولا من أبنية المبالغة في اللسان العربي قال الشاعر ضروب بنصل السيف سوق سمانها وإنما أعطيت المبالغة
(٧٥٠)