ذلك يعقل فهذا يكون حاله الاستهلاك كالملائكة المهيمن في جلال الله تعالى والملائكة الكروبيين فلا يعرفون سواه ولا يعرفهم سواه سبحانه ومنهم من يصل إلى الله من حيث الاسم الذي أوصله إلى الله أو من حيث الاسم الذي يتجلى له من الله ويأخذه من الاسم الذي أوصله إليه سبحانه ثم إن هذين الرجلين المذكورين أو الشخصين فإنه قد يكون منهم النساء إذا وصلوا فإن كان وصولهم من حيث الاسم الذي أوصلهم فشاهدوه فكان لهم عين يقين فلا يخلو ذلك الاسم إما أن يطلب صفة فعل كخالق وبارئ أو صفة صفة كالشكور والحسيب أو صفة تنزيه كالغني فيكون بحسب ما تعطيه حقيقة ذلك الاسم ومن ثم يكون مشربه وذوقه وريه ووجوده لا يتعداه فيكون الغالب عليه عندنا في حاله ما تعطيه حقيقة ذلك الاسم الإلهي فتضيفه إليه وبه تدعوه فتقول عبد الشكور وعبد الباري وعبد الغني وعبد الجليل وعبد الرزاق وإن كان وصولهم إلى اسم غير الاسم الذي أوصلهم فإنه يأتي بعلم غريب لا يعطيه حاله بحسب ما تعطيه حقيقة ذلك الاسم فيتكلم بغرائب العلم في ذلك المقام وقد يكون في ذلك العلم ما ينكره عليه من لا علم له بطريق القوم ويرى الناس أن علمه فوق حاله وهو عندنا أعلى من الذي وصل إلى مشاهدة الاسم الذي أوصله فإن هذا لا يأتي بعلم غريب لا يناسب حاله فيرى الناس أن علمه تحت حاله ودونه يقول أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه العارف فوق ما يقول والعالم تحت ما يقول فبهذا قد حصرنا لك مراتب الواصلين فمنهم من يعود ومنهم من لا يعود ثم إن الراجعين على قسمين منهم من يرجع اختيارا كأبي مدين ومنهم من يرجع اضطرارا مجبورا كأبي يزيد لما خلع عليه الحق الصفات التي بها ينبغي أن يكون وارثا وراثة إرشاد وهداية خطا خطوة من عنده فغشي عليه فإذا النداء ردوا على حبيبي فلا صبر له عني فمثل هذا لا يرغب في الخروج إلى الناس وهو صاحب حال وأما العالي من الرجال وهم الأكابر وهم الذين ورثوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم عبوديته فإن أمروا بالتبليغ فيحتالون في ستر مقامهم عن أعين الناس ليظهروا عند الناس بما لا يعلمون في العادة أنهم من أهل الاختصاص الإلهي فيجمعون بين الدعوة إلى الله وبين ستر المقام فيدعونهم بقراءة الحديث وكتب الرقائق وحكايات كلام المشايخ حتى لا تعرفهم العامة إلا أنهم نقلة لا أنهم يتكلمون عن أحوالهم من مقام القربة هذا إذا كانوا مأمورين ولا بد وإن لم يكونوا مأمورين بذلك فهم مع العامة التي لم تزل مستورة الحال لا يعتقد فيهم خير ولا شر ثم إن من الرجال الواصلين من لا يكشف لهم عن العلم بالأسماء الإلهية التي تدبرهم ولكن لهم نظر إلى الأعمال المشروعة التي يسلكون بها وهي ثمانية يد ورجل وبطن ولسان وسمع وبصر وفرج وقلب ما ثم غير ذلك فهؤلاء يفتح لهم عند وصولهم في عالم المناسبات فينظرون فيما يفتح لهم عند الوصول إلى الباب الذي قرعوه فعند ما يفتح لهم يعرفون فيما يتجلى لهم من الغيب أي باب ذلك الباب الذي فتح لهم فإن كان المشهود لهم يطلب اليد بمناسبة تظهر لهم كان صاحب يد وإن كان يطلب البصر بمناسبة كان صاحب بصر وهكذا جميع الأعضاء ومن ذلك الجنس تكون كراماته إن كان وليا ومعجزاته إن كان نبيا ومن ذلك الجنس تكون منازله ومعارفه كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يركع ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشئ فتحت له الثمانية الأبواب من الجنة يدخل من أيها شاء كذلك هذا الشخص يفتح له من أعمال أعضائه إذا كملت طهارته وصفا سره أي شئ كان مما تعطيه أعمال أعضائه المكلفة وقد بينا هذه المراتب العملية على الأعضاء في كتاب مواقع النجوم ثم إن الله سبحانه يمدهم من الأنوار بما يناسبهم وهي ثمانية من حضرة النور فمنهم من يكون إمداده من نور البرق وهو المشهد الذاتي وهو على ضربين خلب وغير خلب فإن لم ينتج مثل صفات التنزيه فهو البرق الخلب وإن أنتج ولا ينتج إلا أمرا واحدا لأنه ليس لله صفة نفسية سوى واحدة هي عين ذاته لا يصح أن تكون اثنان فإن اتفق أن يحصل له من هذا النور البرقي في بعض كشف تعريف إلهي لا يكون برق خلب ومنهم من يكون إمداده من حضرة النور نور الشمس ومنهم من يكون إمداده من نور البدر ومنهم من يكون إمداده من نور القمر ومنهم من يكون إمداده من نور الهلال ومنهم من يكون إمداده من نور السراج ومنهم من يكون إمداده من نور النجوم ومنهم من يكون إمداده من نور النار وما ثم نور أكثر وقد ذكرنا مراتب هذه
(٢٥٢)