هو في غير صف إلا في صف من ذاته وبهذا أجاز من أجاز الصلاة خلف الصف وحده وقد بينا مذهبنا في ذلك بطريقة تعضدها أصول الشرع (فصل بل وصل في الرجل أو المكلف يريد الصلاة فيسمع الإقامة هل يسرع في المشي إلى المسجد مخافة أن يفوته جزء من الصلاة أم لا) فمن قائل لا يجوز الإسراع بل يأتي وعليه السكينة والوقار وبه أقول ومن قائل يجوز الإسراع حرصا على الخير وأكره له ذلك (وصل اعتبار ذلك) المسارعة إلى الخيرات مشروعة والسكينة مشروعة والوقار والجمع بينهما أن تكون المسارعة بالتأهب المعتاد قبل دخول وقتها فيأتيها بسكينة ووقار فيجمع بين المسارعة والسكينة وإنما أمر العبد بالمسارعة إلى الخيرات لتصرفه في المباحات لا غير فمن كانت حالته أن لا يتصرف في مباح فهو في خير على كل حال ولذلك ورد ما يدل على الحالين معا فقيل سارعوا إلى مغفرة من ربكم وهي العبادة هنا من سارع إليها فقد سارع إلى المغفرة وقال في الحالة الأخرى أولئك يسارعون في الخيرات فجعل المسارعة فيها وفي الأولى إليها فإنها ما هي نائبة عنه وهنا وجه أيضا وذلك أن المغفرة لا تصح إلا بعد حصول فعل الخير الموجب لها فنحن نسارع في الخيرات إلى المغفرة فكان المسارع فيه غير المسارع إليه فالعبد إذا كان تصرفه في غير المباح فلا بد أن يكون في مندوب أو واجب فإن كان في مندوب واستشعر بحصول وقت واجب سارع إليه في مندوبة بإقامة أسبابه التي لا يصح ذلك الواجب إلا بها ومعنى المسارعة هنا المبادرة إلى الأفعال التي هي شرط في صحة ذلك الواجب فمن رأى الجماعة واجبة ومن قال بإتمام الصف ووجوبه وهو في خير فإنه آت إلى الصلاة مثلا فيسمع الإقامة فأمره الشارع أن يأتي إليه وعليه وقار وسكينة وسبب ذلك أن الحق لا يتقيد بالأحوال وأن الآتي إلى الصلاة في صلاة ما دام يأتي إليها أو ينتظرها فنفس الإسراع المشروع قد حصل وأما الإسراع بالحركة فإنه يقتضي سوء الأدب وتقييد الحق ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي دب وهو راكع حتى دخل الصف وهو أبو بكرة زادك الله حرصا ولا تعد يعني إلى إسراع الحركة وما قال له زادك الله إسراعا فإن الحرص أوجب له الإسراع فنبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم على إن الحرص على الخير هو المطلوب وهو الإسراع المطلوب لله من العبد لا حركة الاقدام فإن ذلك يؤذن بتحديد الله والله مع العبد حيث كان وقد وقع لك التفريط أولا بتأخرك فهنالك كان ينبغي لك الإسراع بالتأهب كما حكي عن بعضهم أنه ما دخل عليه منذ أربعين سنة وقت صلاة إلا وهو في المسجد وحكي عن آخر أنه بقي كذا سنة ما فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام وقوله بوقار يشير أن العبد ينبغي له أن يعامل الله في نفسه بما يستحقه من الجلال والهيبة والحياء فإن هذه الأحوال تؤثر ثقلا في الجوارح وتثبت الموازنة حركته مع الله أن يقع منه كما أمره الله بخضوع وخشوع وهو السكينة المطلوبة كما قال لو خشع قلبه لخشعت جوارحه يعني لسرى ذلك في جوارحه فإن السرعة بالإقدام لا تكون إلا ممن همته متعلقة بالجهة التي يسارع إليها من أجل الله لا بالله وينبغي للعبد أن تكون همته متعلقة بالله فيكون المشهود له الحق تعالى ومن كان بهذه المثابة كانت حالته الهيبة والسكون فلا تسمع إلا همسا قال تعالى وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا هذا مع الاسم الرحمن فكيف بمن لا يعرف أي اسم إلهي يمشي إليه أو يمشي به فمن كان حاله في الوقت ما يمشي إليه ويقصده أجاز الإسراع ومن كان حاله مشاهدة من يقصد به قال لا يجوز فإنه تضييع للوقت والشارع إنما يراعي وارد الوقت ووقت الآتي إلى الصلاة مشاهدة المقصود بها فشرع له السكينة والوقار في الإتيان دون سرعة الأقدام إعظاما لحرمة الوقت واستيفاء لحقه (فصل بل وصل) متى ينبغي للمأموم أن يقوم إلى الصلاة إذا كان في المسجد ينتظر الصلاة فمن قائل في أول الإقامة ومن قائل عند قوله حي على الصلاة ومن قائل عند قوله حي على الفلاح ومن قائل حتى يرى الإمام وهو الأولى عندي ومن قائل لا توقيت في ذلك وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوموا حتى تروني فإن صح هذا الحديث وجب العمل به ولا يعدل عنه وأما مذهبنا في ذلك إن لم يصح هذا الحديث المسارعة في أول الإقامة ثم إن عندنا ولو صح الحديث
(٤٥٣)