ويوده فإن تفتى مع عمر وعادى خالد أو ذمه خالد وأثنى عليه زيد بالفتوة وكريم الخلق وإن لم يعاد خالدا ووالاه وأحبه أثنى عليه خالد وذمه زيد فلما رأينا أن الأمر على هذا الحد وأنه لا يعم ولم يتمكن عقلا ولا عادة أن يقوم الإنسان في هذه الدنيا أو حيث كان في مقام يرضى المتضادين انبغى للفتى أن يترك هوى نفسه ويرجع إلى خالقه الذي هو مولاه وسيده ويقول أنا عبد وينبغي للعبد أن يكون بحكم سيده لا بحكم نفسه ولا بحكم غير سيده يتبع مراضيه ويقف عند حدوده ومراسمه ولا يكن ممن جعل مع سيده شريكا في عموديته فيكون مع سيده بحسب ما يحد له ويتصرف فيما يرسم له ولا يبالي وافق أغراض العالم أو خالفهم فإن وافق ما وافق منها فذلك راجع إلى سيده فخرج له توقيع من ديوان سيده على يدي رسول قام الدليل له والعلم بأنه خرج إليه من عند سيده وأن ذلك التوقيع توقيع سيده فقام له إجلالا وأخذ توقيع سيده ومع التوقيع مشافهة فشافه العبيد بما أمره السيد أن يشافههم به وذلك هو الشرع المقرر والتوقيع هو الكتاب المنزل المسمى قرآنا والرسول هو جبريل عليه السلام وحاجب الباب الذي يصل إليه الرسول الملكي من عند الله بالتوقيع والمشافهة هو النبي المبشر محمد صلى الله عليه وسلم أو أي نبي كان من الأنبياء في زمان بعثتهم فلزم العبيد مراسم سيدهم التي ضمنها توقيعه والتي جاءت بها المشافهة فلم يكن لهم في نفوسهم ملك ولا تدبير فمن وقف عند حدود سيده وامتثل مراسيمه ولم يخالفه في شئ مما جاءه به على حد ما رسم له من غير زيادة بقياس أو رأى ولا نقصان بتأويل فعامل جنسه من الناس بما أمر أن يعاملهم به من مؤمن وكافر وعاص ومنافق وما ثم إلا هؤلاء الأصناف الأربعة وكل صنف من هؤلاء على طبقات فالمؤمن منه طائع وعاص وولي ونبي ورسول وملك وحيوان ونبات ومعدن والكافر منه مشرك وغير مشرك والمنافق منه ينقص في الظاهر عن درك الكافر فإن المنافق له الدرك الأسفل من النار والكافر له الأعلى والأسفل وأما العاصي فينقص في الظاهر عن درجة المؤمن المطيع بقدر معصيته فهذا الواقف عند مراسم سيده هو الفتى فكل إنسان لا بد أن يكون جليسا لأكبر منه أو أصغر منه أو مكافئا له إما في السن وإما في الرتبة أو فيهما فالفتى من وقر الكبير في العلم أو في السن والفتى من رحم الصغير في العلم أو في السن والفتى من آثر المكافئ في السن أو في العلم ولست أعني بقولي في العلم إلا المرتبة خاصة فأتينا بالعلم لشرفه فإن الملك قد يكون صغيرا في السن صغيرا في العلم ويكون شخص من رعيته كبيرا في السن كبيرا في العلم فإن عرف الملك قدر ما رسم له الحق في شرعه من توقير الكبير وشرف العلم عامله الملك بذلك وإن لم يفعل فيكون الملك سيئ الملكة فينبغي للفتى أن يعرف شرف المرتبة التي هي السلطنة وأنه نائب الله في عباده وخليفته في بلاده فيعامل من أقامه الله فيها وإن لم يجر الحق على يده بما ينبغي للمرتبة من السمع والطاعة في المنشط والمكره على حد ما رسم له سيده وما هو عليه مما أقام الله ذلك السلطان فيه من الأخلاق المحمودة أو المذمومة في الجور والعدل فينبغي للفتى أن يوفي السلطان حقه الذي أوجبه الله له عليه ولا يطلب منه حقه الذي جعله الله له قبل السلطان مما له أن يسامحه فيه إن منعه منه فتوة عليه ورحمة به وتعظيما لمنزلته إذ كان له أن يطلبه به يوم القيامة فالفتى من لا خصم له لأنه فيما عليه يؤديه وفيما له يتركه فليس له خصم فالفتى من لا تصدر منه حركة عبثا جملة واحدة ومعنى هذا أن الله سمعه يقول وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا وهذه الحركة الصادرة من الفتى مما بينهما وكذلك حركة كل متحرك خلقه الله بين السماء والأرض فما هي عبث فإن الخالق حكيم فالفتى من يتحرك أو يسكن لحكمة في نفسه ومن كان هذا حاله في حركاته فلا تكون حركته عبثا لا في يده ولا في رجله ولا شمه ولا أكله ولا لمسه ولا سمعه ولا بصره ولا باطنه فيعلم كل نفس فيه وما ينبغي له وما حكم سيده فيه ومثل هذا لا يكون عبثا وإذا كانت الحركة من غيره فلا ينظرها عبثا فإن الله خلقها أي قدرها وإذا قدرها فما تكون عبثا ولا باطلا فيكون حاضرا مع هذا عند وقوعها في العالم فإن فتح له بالعلم في الحكمة فيها فبخ على بخ وهو صاحب عناية وإن لم يفتح له في العلم بالحكمة فيها فيكفيه حضوره في نفسه إنها حركة مقدرة منسوبة إلى الله وأن الله فيها سرا يعلمه الله فيؤديه هذا القدر من العلم إلى الأدب الإلهي وهذا لا يكون إلا للفتيان أصحاب القوة الحاكمين على طبائع النفوس والعادات ولا يكون في هذا المقام من هذه الطائفة إلا الملامية فإن الله قد ولاهم على نفوسهم وأيدهم بروح منه عليها فلهم التصريف التام والكلمة الماضية والحكم الغالب
(٢٤٢)