ما هو لهم وإنه في أموالهم لا من أموالهم فلا يتعين لهم إلا بالإخراج فإذا ميزوه حين ذلك يعرفون أنه لم يكن من مالهم وإنما كان في مالهم مدرجا هذا هو التحقيق وكانوا يعتقدون أن كل ما بأيديهم هو مالهم وملك لهم فلما أخبر الله أن لقوم في أموالهم حقا يؤدونه وما له سبب ظاهر تركن النفس إليه لا من دين ولا من بيع إلا ما ذكر الله تعالى من ادخار ذلك له ثوابا إلى الآخرة شق ذلك على النفوس للمشاركة في الأموال ولما علم الله هذا منهم في جبلة نفوسهم أخرج ذلك القدر من الأموال من أيديهم بل أخرج جميع الأموال من أيديهم فقال تعالى وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه أي هذا المال ما لكم منه إلا ما تنفقون منه وهو التصرف فيه كصورة الوكلاء والمال لله وما تبخلون به فإنكم تبخلون بما لا تملكون لكونكم فيه خلفاء وعلى ما بأيديكم منه أمناء فنبههم بأنهم مستخلفون فيه وذلك لتسهل عليهم الصدقات رحمة بهم يقول الله كما أمرناكم أن تنفقوا مما أنتم مستخلفون فيه من الأموال أمرنا رسولنا ونوابنا فيكم أن يأخذوا من هذه الأموال التي لنا بأيديكم مقدارا معلوما سميناه زكاة يعود خيرها عليكم فما تصرف نوابنا فيما هو لكم ملك وإنما تصرفوا فيما أنتم فيه مستخلفون كما أيضا أبحنا لكم التصرف فيه فلما ذا يصعب عليكم فالمؤمن لا مال له وله المال كله عاجلا وآجلا فقد أعلمتك أن الزكاة من حيث ما هي صدقة شديدة على النفس فإذا أخرج الإنسان الصدقة تضاعف له الأجر فإن له أجر المشقة وأجر الإخراج وإن أخرجها عن غير مشقة فهذا فوق تضاعف الأجر بما لا يقاس ولا يحد كما ورد في الماهر بالقرآن أنه ملحق بالملائكة السفرة الكرام والذي يتتعتع عليه القرآن يضاعف له الأجر للمشقة التي ينالها في تحصيله ودرسه فله أجر المشقة وأجر التلاوة والزكاة بمعنى التطهير والتقديس فلما أزال الله عن معطيها من إطلاق اسم البخل والشح عليه فلا حكم للبخل والشح فيه وبما في الزكاة من النمو والبركة سميت زكاة لأن الله يربيها كما قال ويربي الصدقات فتزكوا فاختصت بهذا الاسم لوجود معناه فيها ففي الزكاة البركة في المال وطهارة النفس والصلابة في دين الله ومن أوتي هذه الصفات فقد أوتي خيرا كثيرا وأما قوله فيها إن تقرضه قرضا حسنا فالحسن في العمل أن تشهد الله فيه فإنه من الإحسان وبهذا فسر الإحسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله عنه جبريل عليه السلام وذلك إن تعلم أن المال مال الله وإن ملك إياه بتمليك الله وبعد التمليك نزل إليك في ألطافه إلى باب المقارضة يقول لك لا يغيب عنك طلبي منك القرض في هذا المال من أن تعرف أن هذا المال هو عين مالي ما هو لك فكما لا يعز عليك ولا يصعب إذا رأيت أحدا يتصرف في ماله كيف شاء كذلك لا يعز عليك ولا يصعب ما أطلبه منك مما جعلتك مستخلفا فيه لعلمك بأني ما طلبت منك إلا ما أمنتك عليه لأعطيه من أشاء من عبادي فإن هذا القدر من الزكاة ما أعطيته قط لك بل أمنتك عليه والأمين لا يصعب عليه أداء الأمانة إلى أهلها فإذا جاءك المصدق الذي هو رسول رب الأمانة ووكيلها أد إليه أمانته عن طيب نفس فهذا هو القرض الحسن فإن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إذا رأيته علمت أن المال ماله والعبد عبده والتصرف له ولا مكره له وتعلم أن هذه الأشياء إذا عملتها لا يعود على الله منها نفع وإذا أنت لم تعملها لا يتضرر بذلك وإن الكل يعود عليك فالزم الأحسن إليك تكن محسنا إلى نفسك وإذا كنت محسنا كنت متقيا أذى شح نفسك فجمع لك هذا الفعل الإحسان والتقوى فيكون الله معك فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ومن المتقين من يوق شح نفسه بأداء زكاته ومن المحسنين من يعبدني كأنه يراني ويشهدني ومن شهوده إياي علمه أني ما كلفته التصرف إلا فيما هو لي وتعود منفعته عليه منة وفضلا مع الثناء الحسن له على ذلك والله ذو الفضل العظيم (وصل إيضاح) واعلم أن الله فرض الزكاة في الأموال أي اقتطعها منها وقال لرب المال هذا القدر الذي عينته بالفرض من المال ما هو لك بل أنت أمين عليه فالزكاة لا يملكها رب المال ثم إن الله تعالى أنزل نفوسنا منا منزلة الأموال منا في الحكم فجعل فيها الزكاة كما جعلها في الأموال فكما أمرنا بزكاة الأموال قال لنا في النفوس قد أفلح من زكاها كما أفلح من زكى ماله كما ألحقها بالأموال في البيع والشراء فقال إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم فجعل الشراء والبيع في النفوس والأموال وفي هذه الآية مسألة فقهية كذلك جعل الزكاة في الأموال والنفوس فزكاة الأموال معلومة كما سنذكرها في هذا الباب على التفصيل إن شاء
(٥٤٩)