اعلم أيدك الله أن كل ما في العالم منتقل من حال إلى حال فعالم الزمان في كل زمان منتقل وعالم الأنفاس في كل نفس وعالم التجلي في كل تجل والعلة في ذلك قوله تعالى كل يوم هو في شأن وأيده بقوله تعالى سنفرغ لكم أيها الثقلان وكل إنسان يجد من نفسه تنوع الخواطر في قلبه في حركاته وسكناته فما من تقلب يكون في العالم الأعلى والأسفل إلا وهو عن توجه إلهي بتجل خاص لتلك العين فيكون استناده من ذلك التجلي بحسب ما تعطيه حقيقته واعلم أن المعارف الكونية منها علوم مأخوذة من الأكوان ومعلوماتها أكوان وعلوم تؤخذ من الأكوان ومعلوماتها نسب والنسب ليست بأكوان وعلوم تؤخذ من الأكوان ومعلومها ذات الحق وعلوم تؤخذ من الحق ومعلومها الأكوان وعلوم تؤخذ من النسب ومعلومها الأكوان وهذه كلها تسمى العلوم الكونية وهي تنتقل بانتقال معلوماتها في أحوالها وصورة انتقالها أيضا إن الإنسان يطلب ابتداء معرفة كون من الأكوان أو يتخذ دليلا على مطلوبه كونا من الأكوان فإذا حصل له ذلك المطلوب لاح له وجه الحق فيه ولم يكن ذلك الوجه مطلوبا له فتعلق به هذا الطالب وترك قصده الأول وانتقل العلم يطلب ما يعطيه ذلك الوجه فمنهم من يعرف ذلك ومنهم من هو حاله هذا ولا يعرف ما انتقل عنه ولا ما انتقل إليه حتى إن بعض أهل الطريق زل فقال إذا رأيتم الرجل يقيم على حال واحدة أربعين يوما فاعلموا أنه مراء يا عجبا وهل تعطي الحقائق أن يبقى أحد نفسين أو زمانين على حال واحدة فتكون الألوهية معطلة الفعل في حقه هذا ما لا يتصور إلا أن هذا العارف لم يعرف ما يراد بالانتقال بكون الانتقال كان في الأمثال فكان ينتقل مع الأنفاس من الشئ إلى مثله فالتبست عليه الصورة بكونه ما تغير عليه من الشخص حاله الأول في تخبله كما يقال فلان ما زال اليوم ماشيا وما قعد ولا شك أن المشي حركات كثيرة متعددة وكل حركة ما هي عين الأخرى بل هي مثلها وعلمك ينتقل بانتقالها فيقول ما تغير عليه الحال وكم تغيرت عليه من الأحوال (فصل) وأما انتقالات العلوم الإلهية فهو الاسترسال الذي ذهب إليه أبو المعالي إمام الحرمين والتعلقات التي ذهب إليها محمد بن عمر بن الخطيب الرازي وأما أهل القدم الراسخة من أهل طريقنا فلا يقولون هنا بالانتقالات فإن الأشياء عند الحق مشهودة معلومة الأعيان والأحوال على صورها التي تكون عليها ومنها إذا وجدت أعيانها إلى ما لا يتناهى فلا يحدث تعلق على مذهب ابن الخطيب ولا يكون استرسال على مذهب إمام الحرمين رضي الله عن جميعهم والدليل العقلي الصحيح يعطي ما ذهبنا إليه وهذا الذي ذكره أهل الله ووافقنا هم عليه يعطيه الكشف من المقام الذي وراء طور العقل فصدق الجميع وكل قوة أعطت بحسبها فإذا أوجد الله الأعيان فإنما أوجدها لها لا له وهي على حالاتها بأماكنها وأزمنتها على اختلاف أمكنتها وأزمنتها فيكشف لها عن أعيانها وأحوالها شيئا بعد شئ إلى ما لا يتناهى على التتالي والتتابع فالأمر بالنسبة إلى الله واحد كما قال تعالى وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر والكثرة في نفس المعدودات وهذا الأمر قد حصل لنا في وقت فلم يختل علينا فيه وكان الأمر في الكثرة واحدا عندنا ما غاب ولا زال وهكذا شهده كل من ذاق هذا فهم في المثال كشخص واحد له أحوال مختلفة وقد صورت له صورة في كل حال يكون عليها هكذا كل شخص وجعل بينك وبين هذه الصور حجاب فكشف لك عنها وأنت من جملة من له فيها صورة فأدركت جميع ما فيها عند رفع الحجاب بالنظرة الواحدة فالحق سبحانه ما عدل بها عن صورها في ذلك الطبق بل كشف لها عنها وألبسها حالة الوجود لها فعاينت نفسها على ما تكون عليه أبدا وليس في حق نظرة الحق زمان ماض ولا مستقبل بل الأمور كلها معلومة له في مراتبها بتعداد صورها فيها ومراتبها لا توصف بالتناهي ولا تنحصر ولا حد لها تقف عنده فهكذا هو إدراك الحق تعالى للعالم ولجميع الممكنات في حال عدمها ووجودها فعليها تنوعت الأحوال في خيالها لا في علمها فاستفادت من كشفها لذلك علما لم يكن عندها لا حالة لم تكن عليها فتحقق هذا فإنها مسألة خفية غامضة تتعلق بسر القدر القليل من أصحابنا من يعثر عليها وأما تعلق علمنا بالله تعالى فعلى قسمين معرفة بالذات الإلهية وهي موقوفة على الشهود والرؤية لكنها رؤية من غير إحاطة ومعرفة بكونه إلها وهي موقوفة على أمرين أو أحدهما وهو الوهب والأمر الآخر النظر والاستدلال وهذه هي المعرفة المكتسبة وأما العلم بكونه مختارا فإن الاختيار يعارضه
(١٦٢)