(الباب الحادي والعشرون في معرفة ثلاثة علوم كونية وتوالج بعضها في بعض) علم التوالج علم الفكر يصحبه * علم النتائج فأنسبه إلى النظر هي الأدلة إن حققت صورتها * مثل الدلالة في الأنثى مع الذكر على الذي أوقف الإيجاد أجمعه * على حقيقة كن في عالم الصور والواو لولا سكون النون أظهرها * في العين قائمة تمشي على قدر فاعلم بأن وجود الكون في فلك * وفي توجهه في جوهر البشر اعلم أيدك الله أن هذا هو علم التوالد والتناسل وهو من علوم الأكوان وأصله من العلم الإلهي فلنبين لك أولا صورته في الأكوان وبعد ذلك نظهره لك في العلم الإلهي فإن كل علم أصله من العلم الإلهي إذ كان كل ما سوى الله من الله قال الله تعالى وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه فهذا علم التوالج سار في كل شئ وهو علم الالتحام والنكاح ومنه حسي ومعنوي والإلهي فاعلم أنك إذا أردت أن تعلم حقيقة هذا فلتنظره أولا في عالم الحس ثم في عالم الطبيعة ثم في المعاني الروحانية ثم في العلم إلهي فأما في الحس فاعلم أنه إذا شاء الله أن يظهر شخصا بين اثنين ذانك الاثنان هما ينتجانه ولا يصح أن يظهر عنهما ثالث ما لم يقم بهما حكم ثالث وهو أن يفضي أحدهما إلى الآخر بالجماع فإذا اجتمعا على وجه مخصوص وشرط مخصوص وهو أن يكون المحل قابلا للولادة لا يفسد البذر إذا قبله ويكون البذر يقبل فتح الصورة فيه هذا هو الشرط الخاص وأما الوجه المخصوص فهو أن يكون التقاء الفرجين وإنزال الماء أو الريح عن شهوة فلا بد من ظهور ثالث وهو المسمى ولدا والاثنان يسميان والدين وظهور الثالث يسمى ولادة واجتماعهما يسمى نكاحا وسفاحا وهذا أمر محسوس واقع في الحيوان وإنما قلنا بوجه مخصوص وشرط مخصوص فإنه ما يكون عن كل ذكر وأنثى يجتمعان بنكاح ولد ولا بد إلا بحصول ما ذكرناه وسنبينه في المعاني بأوضح من هذا إذ المطلوب ذلك وأما في الطبيعة فإن السماء إذا أمطرت الماء وقبلت الأرض الماء وربت وهو حملها فأنبتت من كل زوج بهيج وكذلك لقاح النخل والشجر ومن كل شئ خلقنا زوجين لأجل التوالد وأما في المعاني فهو أن تعلم أن الأشياء على قسمين مفردات ومركبات وأن العلم بالمفرد يتقدم على العلم بالمركب والعلم بالمفرد يقتنص بالحد والعلم بالمركب يقتنص بالبرهان فإذا أردت أن تعلم وجود العالم هل هو عن سبب أو لا فلتعمد إلى مفردين أو ما هو في حكم المفردين مثل المقدمة الشرطية ثم تجعل أحد المفردين موضوعا مبتدأ وتحمل المفرد الآخر عليه على طريق الإخبار به عنه فتقول كل حادث فهذا المسمى مبتدأ فإنه الذي بدأت به وموضوعا أول فإنه الموضوع الأول الذي وضعته لتحمل عليه ما تخبر به عنه وهو مفرد فإن الاسم المضاف في حكم المفرد ولا بد أن تعلم بالحد معنى الحدوث ومعنى كل الذي أضفته إليه وجعلته له كالسور لما يحيط به فإن كل تقتضي الحصر بالوضع في اللسان فإذا علمت الحادث حينئذ حملت عليه مفردا آخر وهو قولك فله سبب فأخبرت به عنه فلا بد أن تعلم أيضا معنى السبب ومعقوليته في الوضع وهذا هو العلم بالمفردات المقتنصة بالحد فقام من هذين المفردين صورة مركبة كما قامت صورة الإنسان من حيوانية ونطق فقلت فيه حيوان ناطق فتركيب المفردين بحمل أحدهما على الآخر لا ينتج شيئا وإنما هي دعوى يفتقر مدعيها إلى دليل على صحتها حتى يصدق الخبر عن الموضوع بما أخبر به عنه فيؤخذ منا ذلك مسلما إذا كان في دعوى خاصة على طريق ضرب المثال مخافة التطويل وليس كتابي هذا بمحل لميزان المعاني وإنما ذلك موقوف على علم المنطق فإنه لا بد أن يكون كل مفرد معلوما وأن يكون ما يخبر به عن المفرد الموضوع معلوما أيضا إما ببرهان حسي أو بديهي أو نظري يرجع إليهما ثم تطلب مقدمة أخرى تعمل فيها ما عملت في الأولى ولا بد أن يكون أحد المفردين مذكورا في المقدمتين فهي أربعة في صورة التركيب وهي ثلاثة في المعنى لما نذكره إن شاء الله وإن لم يكن كذلك فإنه لا ينتج أصلا فتقول في هذه المسألة التي مثلنا بها في المقدمة الأخرى والعالم حادث وتطلب فيه من العلم بحد المفرد فيها ما طلبته في المقدمة الأولى من معرفة العالم ما هو وحمل الحدوث عليه بقولك حادث وقد كان هذا الحادث الذي هو محمول في هذه المقدمة موضوعا في الأولى حين حملت عليه السبب فتكرر
(١٧٠)