فأمر بطهارة نفسه من هذا التكبر بالأرض وبالتراب وهو حقيقة عبوديته فتطهر بنظره في أصل خلقه مم خلق كما قال تعالى فيمن هذه صفته في معرض الدواء لهذا الخاطر الذي أورثه التكبر فلينظر الإنسان مم خلق وهم البنون خلق من ماء دافق وهو الماء المهين فإنه من جملة ما ادعاه الاقتدار والعطاء وهو مجبول على العجز والبخل وهذه الصفات من صفات الأيدي فقيل له عند هذه الدعوى ورؤية نفسه في الاقتدار الظاهر منه والجود والكرم والعطاء طهر نفسك من هذه الصفات بنظرك ما جبلت عليه من الضعف والبخل يقول تعالى ومن يوق شح نفسه وقال وإذا مسه الخير منوعا وإذا نظر في هذا الأصل زكت نفسه وتطهر من الدعوى (باب في عدد الضربات على الصعيد للمتيمم) اختلف العلماء رضي الله عنهم في عدد الضربات على الصعيد للمتيمم فمن قائل واحدة ومن قائل اثنتين والذين قالوا اثنتين منهم من قال ضربة للوجه وضربة لليدين ومنهم من قال ضربتان لليدين وضربتان للوجه ومذهبنا من ضرب واحدة أجزأت عنه ومن ضرب اثنتين لا جناح عليه وحديث الضربة الواحدة أثبت فهو أحب إلي (وصل اعتبار الباطن في ذلك) التوجه إلى ما تكون به هذه الطهارة فمن غلب التوحيد في الأفعال قال بالضربة الواحدة ومن غلب حكمة السبب الذي وضعه الله ونسب سبحانه الفعل إليه مع تعريته عنه مثل قوله والله خلقكم وما تعملون فأثبت ونفى قال بالضربتين ومن رأى ذلك في كل فعل قال بالضربتين لكل عضو والله أعلم (باب في إيصال التراب إلى أعضاء المتيمم) اختلف العلماء رضي الله عنهم في ذلك فمن قائل بوجوبه ومن قائل بأنه لا يجب وإنما يجب إيصال اليد إلى عضو المتيمم بعد ضربة الأرض بيده أو التراب والظاهر الإيصال لقوله منه (وصل اعتبار ذلك في الباطن) إذا قلنا بتطهير النفس بالذلة التي هي أصلها من العزة التي ادعتها حين اكتسبتها لم يجب الإيصال فإن الذلة لو نقلناها إلى محل العزة لامتنع حصول الذلة في ذلك المحل لأن الذي في المحل أقوى في الدفع من الذي جاء يذهبه ولو شاركه في المحل لاجتمع الضدان ولم يكن أحدهما أولى بالإزالة من الآخر وإنما الصحيح في ذلك أن النفس مصروفة الوجه إلى حضرة العز فاكتست من نور العزة ما أداها إلى ما ادعته فقيل لها اصرف وجهك إلى ذلتك وضعفك الذي خلقت منه فإن بقيت عليك أنوار هذه العزة فأنت أنت فقام عندها إنه ربما يبقى عليها ذلك فلما صرفت وجهها إلى ذلتها وضعفها زالت عنها أنوار العزة بالذات فافتقرت إلى بارئها وذلت تحت سلطانه فلهذا قال من قال إنه لا يجب إيصال التراب إلى عضو التيمم ومن قال إن كلمة من هنا للتبعيض وأنه لا بد من إيصال التراب إلى العضو قال إن الصفة لا تقوم بنفسها فلا بد لها ممن تقوم به وليس إلا حقيقة الإنسان فلا بد أن تكون صفته الذلة وحينئذ تصح طهارته وهو قول من يقول بوجوب إيصال التراب إلى عضو التيمم (باب فيما يصنع به هذه الطهارة) اختلف العلماء فيما عدا التراب فمن قائل لا يجوز التيمم إلا بالتراب الخالص ومن قائل يجوز بكل ما صعد على وجه الأرض من رمل وحصى وتراب ومن قائل بمثل هذا وزاد وما تولد من الأرض من نورة وزرنيخ وجص وطين ورخام ومن قائل باشتراط كون التراب على وجه الأرض ومن قائل بغبار الثوب واللبن وأما مذهبنا فإنه يجوز التيمم بكل ما يكون في الأرض مما ينطلق عليه اسم الأرض فإذا فارق الأرض لم يجز من ذلك إلا لتراب خاصة (وصل اعتبار ذلك في الباطن) قد تقدم أنه قد زال عنه بالانتقال اسم الأرض وسمي زرنيخا أو حجرا أو رملا أو ترابا ولما ورد النص باسم التراب في التيمم فوجدنا هذا الاسم يستصحبه مع الأرض ومع مفارقة الأرض ولم نجد غيره كذلك أوجبنا التيمم بالتراب سواء فارق الأرض أو لم يفارق والأحكام الشرعية تابعة للأسماء والأحوال وينتقل الحكم بانتقال الاسم أو الحال (باب في ناقض هذه الطهارة)
(٣٧٤)