حق كل نفس إن تدعو نفسها وغيرها إلى طاعة الله بعد وضع الشريعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث ولصاحبه إذا كنتما في سفر فاذنا وأقيما الحديث والإنسان مسافر مع الأنفاس منذ خلقه الله دنيا وآخرة لا يصح له أن يكون مقيما أبدا ولو أقام زائدا على نفس واحد لتعطل فعل الإله في حقه فالحق سبحانه في كل نفس في الخلق في شأن وهو أثره في كل عين موجودة بكيفية خاصة أشهدنا الله دقيقها وجليلها فما أعز صاحبها عند الله فمن فاته مراعاة أنفاسه في الدنيا والآخرة لقد فاته خير كثير (فصل بل وصل في وقت الأذان) اتفق العلماء على أنه لا يؤذن للصلاة قبل دخول وقتها ما عدا الصبح فإن فيه خلافا فمن قائل بجواز ذلك أنه يؤذن لها قبل الفجر ومن قائل بالمنع وبه أقول فإن الأذان قبل الوقت إنما هو عندي ذكر بصورة الأذان ما هو الأذان على جهة الإعلام بدخول وقت الصلاة فقد كان بلال يؤذن بليل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يمنعكم أذان بلال عن الأكل والشرب يعني في رمضان ولمن يريد الصوم فإنه يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وكان رجلا أعمى فكان لا يؤذن حتى بقال له أصبحت أصبحت فالمؤذن عندي لا يجب إلا بعد دخول الوقت ومن قائل لا بد للصبح من أذانين أذان قبل الوقت وأذان بعده وقال أبو محمد بن حزم لا بد للصبح من أذان بعد الوقت اعتبار الباطن في ذلك دعاء النفوس إلى الله من الله في نفس الأمر ودعاؤها من الأكوان بالنظر إلى الغافلين أو الجهلاء الذين هم تحت حكم الأسماء الإلهية أو التصريف الإلهي وهم لا يشعرون فلهذا قلنا في نفس الأمر فاعلم إن للوقت سلطانا لا يحكم فيه غيره فلا بد أن يتعين عند المحكوم عليه سلطان الوقت وهو الاسم الإلهي الخاص بذلك الوقت فلا يمكن أن يدعى لها بطريق الوجوب إلا بعد دخول الوقت فعند ذلك يكون ممن دعا إلى الله على بصيرة فإنه دعاء خاص في كل وقت بما يليق بذلك الوقت فإن دعا في غير وقته وقع الإنسان في الجهل فإنه يدعوه بما يخرجه عن سلطان حكمه الذي يرتقبه السامع في نفسه فلا بد من الدعاء له بعد دخول وقته حتى يتعين من هو صاحب الوقت من هذه الأسماء الإلهية انظر هل يصح منك الشكر قبل دخول حكم الاسم المنعم فإذا كان وقتك النعمة ودخل وقتها بوجودها عندك دعيت إلى شكر المنعم وإنما دخل الخلاف في الصبح لجهل السامع بمقصود الشارع بذلك الذكر فإنه دعاء لصاحب الوقت بخلاف سائر الصلوات فإن الليل لما كان محلا للنوم ونام الناس شرع النداء الآخر الذي هو الأول لايقاظ النائمين فهو دعاء للانتباه والاستعداد لايقاع صلاة الصبح في أول الوقت فهو نداء تحضيض وتحريض وجعل بصورة الأذان المشروع للصلاة أي من أجل الصلاة دعوناكم لتتذكروها فتتأهبوا لها فإذا دخل وقتها وجب الإعلام بدخول الوقت لجهل السامعين بدخول أول الوقت فإنه يخفى على أكثر الناس فإن أكثر الناس لا يعلمون فيعلمون بالأذان المشروع لدخول الوقت أن الوقت قد دخل وكذلك الحكم في الاعتبار الغافل عن حكم الاسم الإلهي فيه ينبهه الداعي من نومة الغفلة بأنه تحت حكم اسم إلهي يصرفه وأنه لا حول ولا قوة له إلا به فإذا انتبه من نوم غفلته وتذكر بعقله عرف عند ذلك أي اسم هو صاحب الوقت فأذعن له بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك الاسم الإلهي في حق هذا الشخص قال تعالى وليتذكر أولوا الألباب وقال وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وإنما ذهبنا إلى أن الأذان قبل الصبح هو ذكر ونداء بصورة الأذان ما هو الأذان المشروع بالإعلام لدخول الوقت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن بلالا ينادي بليل ولم يقل يؤذن وكذا قال في ابن أم مكتوم ينادي لموضع الشبهة فإنه كان أعمى فكان لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت أي قاربت الصباح قال الراوي وكان بين نداء بلال ونداء ابن أم مكتوم قدر ما ينزل هذا ويصعد هذا فسماه نداء لهذا الاحتمال أعني أذان ابن أم مكتوم فإن الفصاحة في لسان العرب تطابق الألفاظ في سبق لما قال في بلال إنه ينادي بليل ويؤيد ما ذهبنا إليه حديث ابن عمر إن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فسماه ابن عمر أذانا لما عرف من قرينة الحال فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام ليعرف الناس أن وقت الصلاة ما دخل فإن الأذان المشروع إنما هو لدخول وقت الصلاة فلما عرف من بلال أنه قصد الأذان وأن السامعين ربما
(٤٠١)