حكى بعضهم الإجماع على أنه ليس على من دخل في صيام تطوع فأفطر لعذر قضاء واختلفوا إذا قطعه لغير عذر عامدا فمن قائل عليه القضاء ومن قائل ليس عليه القضاء (الاعتبار) إذا دخل في فعل بعبودية الاختيار فقد ألزم نفسه العبودية إذا رجع إلى أصله في ذلك الإلزام فحكمه حكم عبودية الاضطرار فيلزمه في التطوع ما يلزمه في الواجب ومن راعى كون الحق جعل هذا العبد مختارا فقال لا يرفع حكم الحق عني في هذا الفعل فإنه يؤدي إلى منازعة الحق حيث يجعل الاختيار في موضع الاضطرار فيعامله معاملة الاختيار فإن شاء قضى اختيارا أيضا وإن شاء لم يقض وفي هذه المسألة طول في الاعتبار يكفي هذا القدر منه في هذا الكتاب فإن التكليف يثبت عين العبد مضطرا كان أو مختارا (وصل في فصل المتطوع يفطر ناسيا) اختلف العلماء فيه فطائفة قالت عليه القضاء وقالت طائفة أخرى لا قضاء عليه وبترك القضاء أقول للخبر الوارد فيه (الاعتبار) الناسي هو التارك لما اختار بعد ما اختار فإن كان عن هوى نفس فالقضاء عليه وإن كان عن شغل بمقام أو حال أو اسم إلهي فلا قضاء عليه والقضاء هنا الحكم عليه بحسب ما تطوع به (وصل في فصل صوم يوم عاشوراء) اختلفوا أي يوم هو من المحرم فقيل العاشر وهو الصحيح وبه أقول وقيل التاسع (الاعتبار) هنا حكم الاسم الأول والآخر فمن أقيم في مقام أحدية ذاته صام العاشر فإنه أول آحاد العقد ومن أقيم في مقام الاسم الآخر الإلهي صام اليوم التاسع فإنه آخر بسائط العدد ولما كان الصوم أعني صوم عاشوراء مرغبا فيه وكان فرضه قبل فرض رمضان على الاختلاف في فرضيته صح له مقام الوجوب وكان حكمه حكم الواجب فمن صامه حصل له قرب الواجب وقرب المندوب إليه فكان لصاحبه مشهدان وتجليان يعرفهما من ذاقهما من حيث إنه صام يوم عاشوراء (وصل في فضل صوم يوم عاشوراء) ذكر مسلم عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله فقامت حركة يومه في القوة مقام قوى أيام السنة كلها إذا عومل كل يوم بما يليق به من عبادة الصوم فحمل بقوته عن الذي صامه جميع ما أجرم في السنة التي قبله فلا يؤاخذ بشئ مما اجترح فيها في رمضان وغيره من الأيام الفاضلة والليالي مع كون رمضان أفضل منه وكذا يوم عرفة وليلة القدر ويوم الجمعة فمثله مثل الإمام إذا صلى بمن هو أفضل منه كابن عوف حين صلى برسول الله صلى الله عليه وسلم المقطوع بفضله فإنه يحمل سهو المأموم مع كونه أفضل فلا يستبعد أن يحمل صوم يوم عاشوراء جرائم المجرم في أيام السنة كلها ولو شاهدت الأمر أو كنت من أهل الكشف عرفت صحة ما قلناه وما أراده الشارع والعارف إذا قال احتسب على الله فما يقولها عن حسن ظن بالله وإنما هي لفظة أدب يستعملها مع الله مع أنه على علم من الله أنه يكفرها الله يقول الله عسى الله أن يتوب عليهم وهو سبحانه يعلم ما يجريه في عباده ومع هذا جاء بلفظ الترجي والمخلوق أولى بهذه الصفة فإنها له حقيقة لو لم يعلمه الله فإذا أعلمه الله بقي على الأصل أدبا مع الله تعالى ألا تراه صلى الله عليه وسلم مع قطعه بأنه يموت فإن الله يقول له إنك ميت وإنهم ميتون فكيف استثنى لما أتى البقيع ووقف على القبور وسلم عليهم قال وإنا إن شاء الله بكم لاحقون فاستثني في أمر مقطوع به وسواء كان الاستثناء في الموت أو في الايمان فإن كليهما مقطوع له بهما وذلك أدب إلهي فإن الله قال له ولا تقولون لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله فلما أتى في قوله لاحقون باسم الفاعل استثنى امتثالا لأمر الله تعالى (وصل في فصل من صامه من غير تبييت) ذكر البخاري عن سلمة بن الأكوع قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم أن ينادي في الناس من كان أكل فليتم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء فجعل حكمه حكم من لم يبيت صوم من شك في أول يوم من رمضان فأكل ثم ثبت أنه من رمضان فأمر بالإمساك والقضاء وهذا حديث صحيح وقال فليتم بقية يومه ولم يسمه صائما فيقوي هذا الحديث حديث القضاء الذي ذكره أبو داود عن عبد الرحمن بن سلمة عن عمه إن أسلم
(٦٣٤)