تمام زكاتكم رضاهم وليدعوا لكم وفي حديثه أيضا عن بشير بن الخصاصية قال فقلنا يا رسول الله إن أصحاب الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا قال لا (وصل الاعتبار في ذلك) المصدق هو الوقت ورضاه أن يوفي له بما يقتضيه حاله مما جاء به وإن جاء بشدة وقهر مثل ما يجد الإنسان من خاطر في عمل من الأعمال أي من أعمال الخير إلا أنه شاق ربما أدى إلى تلف فكان أبو مدين رضي الله عنه يقول فيه الدية على القاتل قال تعالى في المهاجر ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وصورة التعدي فيه إن الله قد جعل لنفسك عليك حقا ولعينك عليك حقا فاعتديت عليك في ذلك وهو قوله في المصطفين فمنهم ظالم لنفسه فالمتعدي هو الوقت وهو الخاطر الذي يخطر بما خطر وهو المتعدي وهو العادل (وصل في فصل المسارعة بالصدقة) فإن مسلم بن الحجاج ذكر في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال تصدقوا فيوشك الرجل يمشي بصدقته فيقول الذي أعطيها لو جئتنا بها بالأمس قبلتها وأما الآن فلا حاجة لي بها فلا يجد من يقبلها (وصل الاعتبار في ذلك) المسارعة بالتوبة وهي من الفرائض فإن أخرها إلى الاحتضار لم تقبل وهنا مسألة دقيقة القليل من أصحابنا من يعثر عليها وهي أن المراد قد يكون غير تائب فيكون له كشف من الله عناية به فيكون أول ما يكشف له أن الله هو خالق كل شئ فلا يرى لنفسه حركة ظاهرة وباطنة ولا عملا ولا نية ولا شيئا إلا الله ليس بيده من الأمر شئ فهل تتصور منه توبة في هذه الحال أم لا وهو يرى أنه مسلوب الأفعال وإن تاب فهل تقبل توبته مع هذا الكشف أو يكون بمنزلة من تاب بعد طلوع الشمس من مغربها فإن شمس الحقيقة قد طلعت له هنا من مغرب قلبه بصحة علمه وهذا من أصعب الأحوال على قلب المراد المجذوب فإن قبول التوبة وقبول العمل إنما هو مع الحجاب حجاب إضافة العمل إليك وهنا ما خرج شئ عنه حتى يقبله بل هو في يديه والقبول لا يكون إلا من الغير فاعلم إن نسبة الناظر ما هي نسبة العامل فالناظر يقبل من العامل والعامل هو المتصرف في هذه الذات التي هي محل ظهور العمل أي عمل كان فتتصور التوبة من صاحب هذا الكشف ويكون الله هو التواب هنا وهذا أقصى مشهده فليسارع إلى الطاعات على أي حال كان ولا يتوقف فإن الأنفاس ليست له ولا تكليف إلا هنا ويوم القيامة إذ يدعون إلى السجود سجود تمييز لا سجود ابتلاء فيتميز في دعاء الآخرة إلى السجود من سجد لله ممن سجد اتقاء ورياء وفي الدنيا لم يتميز لاختلاط الصور (وصل في فصل ما تتضمنه الصدقة من الأثر في النسب الإلهية وغيرها) فمن ذلك قوله تعالى وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا فانظر يا أخي كيف جعل هويته خلفا من نفقتك وإنك أحييت من تصدقت عليه فأحياك الله به حياة أبدية لأنه إن لم يكن الحق حياتك فلا حياة فإن قلت لو كان ذلك النصب الياء ورفع اللام قلنا الهوية عين الذات والهوية تخلف الشئ المتصدق به باسم إلهي تكون به حياة ذلك المنفق وأسماؤه ليست غيره ولكن هكذا تقع العبارة عنها لما يعقل في ذلك من اختلاف النسب وكلامنا في هذه المعاني إنما هو مع أصحابنا الذين قد علموا ما نقول ونشير به إليهم على ما تقرر عندنا في الاصطلاح في ذلك فالأجنبي لا يقبل اعتراضه ألا ترى الملك يقول اللهم أعط منفقا خلفا مع أنه وعد بالخلف ووعده صدق والإنفاق هنا من الهلاك والإتلاف أي أتلف ما كان عنده عنه ولا خلاء فاجعل مكانه ما يناسب أثره فيمن أتلف من أجله فله أجر من أحيا ألا ترى الآخر يقول اللهم أعط ممسكا تلفا لأن الملائكة لسان خير فيقول هذا الملك اللهم أعط ممسكا ما أعطيت المنفق حتى يتلف ماله مثل صاحبه فكأنه يقول اللهم ارزق الممسك الإنفاق حتى ينفق فإن كنت لم تقدر في سابق علمك إن ينفقه باختياره فأتلف ماله حتى تأجره فيه أجر المصاب فنصيب خيرا وأنت قد قلت ولله يسجد من في السماوات ومن في الأرض طوعا وكرها فهذا قد تلف ماله كرها فأعد عليه ثوابا ممن وجد به راحة وإن لم يقصدها هذا الذي رزئ في ماله بالتلف فهذا دعاء له بالخير لا ما يظنه من لا معرفة له بمراتب
(٥٧١)