لكونه أمر بالسجود فلم يسجد والسهو أغلبه إنما يقع من الشيطان فلا يجبر إلا بصفة لا يتمكن للشيطان أن يدنو من العبد إذا كان موصوفا بها فشرع له السجود لسهوه فإنه ثبت في الخبر أن الإنسان إذا سجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار فالإنسان في حال سجوده محفوظ من الشيطان أن يقر به ولو اقترب منه الشيطان في سجود سهوه لسها في سجود سهوه في حال سجوده وكان يتسلسل الأمر ولهذا لم يرد شرع فيمن سها في سجود سهوه ولو وقع فليس من الشيطان وإذا لم يكن من الشيطان فلا يكون ترغيما له إلا إذا كان السهو من فعله فالسهو لا يلزم أن يكون ولا بد من فعل الشيطان وإنما سببه غيبوبة المصلي عن عبادته فنفس غيبته عنها يكون عنها السهو وأسباب الغيبة عن عقل المصلي نفسه في أي جزء هو من صلاته كثيرة فمنها شيطانية ومنها غلب مشاهدته عليه تقتضيها آية من كتاب الله في توحيد أو حكم من أحكام الدين أو جنة أو نار أو ما يستلزم إحداهما فإذا كانت من الشيطان كان سجود السهو له ترغيما على ترغيم من كونه سجودا ومن كونه ما أثر وسواسه فيه بما جبر عليه سجوده لسهوه ولهذا يستحب لكل مصل أن يسجد بعد كل صلاة سجدتي السهو إذ كان الإنسان لا يخلو أن يغيب لحظة في نفس صلاته عن كونه مصليا فما زاد فيكون في ذلك ترغيم للشيطان وهو مذهب الترمذي الحكيم ورأيت جماعة الزيدية تقول به في حق المأمومين ورأيتهم يفعلون ذلك واستحسبته منهم وإن اختلفت المقاصد فهو ترغيم للشيطان على كل حال قال ابن المنذر في هذه المسألة اختلف العلماء فيها على ستة أقوال فمن قائل لا تشهد فيها ولا تسليم وبه قال أنس والحسن وعطاء ومن قائل فيها تشهد وتسليم وبالقولين أقول غير أني أقول إن التشهد والتسليم فيها ولا بد إلا أنه إذا كان السجود قبل السلام اكتفى بتشهد الصلاة والسلام منها عن تشهد السهو والسلام منه كالقارن وإذا كان بعد السلام تشهد وسلم ومن قائل فيها تشهد دون تسليم وهو قول الحكم وحماد والنخعي ومن قائل فيها تسليم وليس فيها تشهد وهو قول ابن سيرين ومن قائل إن شاء تشهد وسلم وإن شاء لم يفعل قاله عطاء ومن قائل إن سجد قبل السلام لم يتشهد وإن سجد بعد السلام تشهد وهو قول ابن حنبل قال ابن المنذر قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كبر فيها أربع تكبيرات وأنه سلم وفي ثبوت التشهد نظر انتهى الجزء الرابع والأربعون (بسم الله الرحمن الرحيم) (وصل في فصل سجود السهو لمن هو) اتفق العلماء على إن سجود السهو إنما هو للإمام وللمنفرد واختلفوا في المأموم يسهو هل عليه سجود أم لا فالجماعة إنه لا سجود عليه ويحمل عنه الإمام وقال مكحول يسجد المأموم لسهوه وبه أقول فإنه ما رأينا أن الشارع فرق بين الإمام والمأموم حين ذكر سجود السهو وإنما ذكر المصلي خاصة ولم يخص حالا من حال (الاعتبار في هذا الفصل) ولا تزر وازرة وزر أخرى ولا تجزى نفس عن نفس شيئا وكل نفس بما كسبت رهينة فإذا بحثت عن كشف هذا المعنى علمت إن الإمام لا يحمل سهو المأموم وأن مكحولا كحل عينه في هذه المسألة بكحل الإصابة فانجلى عين بصيرته والله الموفق لا رب غيره (وصل في فصل) المأموم يفوته بعض الصلاة وعلى الإمام سجود سهو متى يسجد المأموم اختلف العلماء فيمن هذه حاله فمن قائل يسجد مع الإمام ثم يقوم لقضاء ما عليه وسواء سجد الإمام قبل السلام أو بعده ومن قائل يقضي ثم يسجد ومن قائل إذا سجدهما قبل التسليم سجدهما معه وإذا سجد بعد التسليم سجدهما بعد أن يقضي ومن قائل يسجدهما مع الإمام ثم يسجدهما ثانية بعد القضاء والذي أقول به لا يخلو المأموم أن يعلم ما سهى فيه الإمام أو لا يعلم فإن لم يعلم فلا يخلو الإمام إما أن يسجدهما قبل السلام فيسجدهما معه فإذا سلم الإمام قام لقضاء ما عليه وإن سجدهما الإمام بعد السلام فلا يتبعه
(٤٨٥)