النقص والزكاة نقص من المال ولهذا لما كمل الحيوان بالإنسانية لم يكن فيه زكاة فإن الأشياء ما خلقت إلا لطلب الكمال فلا كامل إلا الإنسان وأكمل المعادن الذهب ولهذا لا يقبل النقص بالنار مثل ما يقبله سائر المعادن فإن قلت فالفضة قد نزلت عن درجة الكمال فهي ناقصة فوجبت الزكاة في أوقاصها قلنا قد أشركها الحق في الزكاة إذا بلغت النصاب في الذهب ولم يفعل ذلك في سائر المعادن فلو لا إن بينهما مناسبة قوية لما وقع الاشتراك في الحكم فليكن في الأوقاص كذلك فإن قلت إن الزكاة نقص من المال ومن بلغ الكمال لا ينقص والذهب قد بلغ الكمال والزكاة فيه إذا بلغ النصاب وهو ذهب في النصاب وذهب في الأوقاص ما زال عنه حكم الكمال قلنا كذلك أقول هكذا كان ينبغي لو جرينا على هذا الأصل لكن عارضنا أصل آخر إلهي وهو التبدل والتحول في الصور عند التجلي الإلهي واختلاف النسب والاعتبارات على الجناب الإلهي والعين واحدة والنسب مختلفة فهي العالمة من كذا والقادرة والخالقة من كذا فالحق سبحانه ما فرض الزكاة في أعيان المزكى من كونها أعيانا بل من كونها على الخصوص أموالا في هذه الأعيان خاصة لا في كل ما ينطلق عليه اسم مال فاعتبرنا لما جاء الحكم بالزكاة فيهما إذا بلغا النصاب المالية وما اعتبرنا أعيانهما واعتبرنا في الأوقاص أعيانهما لا المالية فرفعنا الزكاة فيهما كما اعتبرنا في تحول التجليات الاعتقادات والمرتبة وما اعتبرنا الذات واعتبرنا في التنزيه الذات وما اعتبرنا المرتبة ولا الاعتقادات فلما كان أصل الوجود وهو الحق تعالى يقبل الاعتبارات سرت تلك الحقيقة في بعض الموجودات بل في الموجودات مطلقا فاعتبرنا فيها وجودها مختلفة تارة لأمور عقلية وتارة لأمور شرعية ألا ترى الرقيق وهو إنسان وله الكمال إذا اعتبرنا فيه المالية أو اعتبارنا أيضا في المشتري له التجارة قومناه عليه بالقيمة وأنزلناه منزلة ما يزكى من المال فأخرجنا من قيمته الزكاة ألا ترى كمالية الحق لا تقبل وصفا من نعوت المحدثات فلما تجلت في حضرة التمثل للأبصار المقيدة بالحس المشترك تبعت الأحكام هذا التجلي الخاص فقال تعالى جعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقني ومرضت فلم تعدني ولما وقع النظر فيه من حيث رفع النسب قال ليس كمثله شئ وقال والله الغني عن العالمين فمن كان غنيا عن الدلالة عليه كان هو الدليل على نفسه لشدة وضوحه فإنه لا شئ أشد في الدلالة من الشئ على نفسه وقد نبهتك على إن الأحكام تتبع الاعتبارات والنسب وبعد أن وقع الحكم من الشارع في أمر ما بما حكم به عليها فلا بد لنا أن ننظر ما اعتبر فيه حتى حكم عليه بذلك الحكم وبهذا يفضل العالم على الجاهل فإذا تقرر هذا فاعلم إن البلوغ بالسن أو الإنبات أو الحلم للعقل هو كالنصاب في المال فكما إن النصاب إذا وجد في المال وجبت الزكاة فيه كذلك يجب التكليف على العاقل إذا بلغ ثم بعد أوان البلوغ يستحكم عقله لمرور الأزمان عليه كما يزيد المال بالتجارة فتظهر الأوقاص فمن لم يجد في استحكام عقله إن الله هو الفاعل مطلقا وأن العبد لا أثر له في الفعل وجبت عليه الزكاة في الأوقاص والزكاة حق الله في المال فنضيف إلى الله من أعماله ما ينبغي أن يضيف وهنا رجلان منهم من يضيف إلى الله ما يضيفه على جهة الحقيقة ويضيف إلى نفسه من أعماله ما يضيف على جهة الأدب كقوله فأردت أن أعيبها وكقوله فأراد ربك أن يبلغا أشدهما وكقول الخليل وإذا مرضت فهو يشفيني وكقوله ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ومنهم من يضيف ذلك العمل كله إلى الإنسان عقلا وشرعا كالمعتزلي ويضيف إلى الله من ذلك خلق القدرة له في هذا العامل لا غير وأما من لا يرى الأفعال في استحكام عقله إلا من الله ولا أثر للعبد فيها لم ير الزكاة في الأوقاص لأنه ما ثم ما يرد إلى الله فإنه علم إن الكل لله كما قال شيبان الراعي لما سئل عن الزكاة فقال لابن حنبل وللشافعي وهما كانا السائلين على مذهبنا أو على مذهبكم إن كان على مذهبنا فالكل لله لا نملك شيئا وإن كان على مذهبكم ففي كل أربعين شاة من الغنم شاة فاعتبر شيبان أمرا ما فأوجب الزكاة واعتبر أمرا آخر فلم يوجب الزكاة والمال هو المال بعينه (وصل في فصل ضم الورق إلى الذهب) فمن قائل نضم الدراهم إلى الدنانير فإذا كان من مجموعهما النصاب وجبت الزكاة ومن قائل لا يضم فضة إلى ذهب ولا ذهب إلى فضة وبه أقول (الاعتبار في ذلك) قال النبي صلى الله عليه وسلم إن لعينك عليك حقا ولنفسك عليك حقا
(٥٩٤)