ويزيلها عن هذه القدم بحكم ما يسبق إلى الفهم إذ أبين إن القدم ما تشبه نسبتها إلى الحق نسبة أقدامنا إلينا من كل الوجوه فلهذا لم يتعلق الوجوب بالمسح وكان حكمه الجواز (وصل) وأما من أجازه سفرا ومنعه في الحضر فذلك إذا كان التنزيه عملا فلا أثر له إلا في المتعلم السامع القابل فيسافر التنزيه من العالم المعلم إلى المتعلم على راحلة التلفظ والكلام بعبارة أو إشارة من المعلم إلى المتعلم (وصل) وأما من منع جوازه على الإطلاق فإن حقيقة التنزيه إنما هي لله سبحانه فإنه المنزه لذاته والعبد لا يكون منزها أبدا ولا يصح وإن تنزه عن شئ ما لم يتنزه عن شئ آخر فمن حقيقته أنه لا يقبل التنزيه على الإطلاق وإذا كان بهذه الصفة لا يجوز تنزيهه فإنه خلاف العلم والأمور العارضة لا أثر لها في الحقائق فإن قبول العبد لآثار التنزيه يدل على عدم التنزيه عن قبول الآثار فيه فهذا وجه منع جواز المسح على الخف وما في معناه على الإطلاق إن فهمت (وصل وتتميم) وأما الإشارة بالخفين فإن المراد بهما النشأتان نشأة الجسم ونشأة الروح ولكل نشأة ما يليق بها من الطهارة فافهم (باب تحديد محل المسح من الخف وما في معناه) اختلف علماء الشريعة في تحديد المسح على الخف فمن قائل إن القدر الواجب من ذلك مسح أعلى الخف وما زاد على ذلك فمستحب وهو مسح أسفل الخف يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخف ومن قائل بوجوب مسح ظهورهما وبطونهما ومن قائل بوجوب مسح ظهورهما فقط ولا يستحب صاحب هذا القول مسح بطونهما ومن قائل إن الواجب مسح باطن الخف ومسح الأعلى مستحب وهو قول أشهب (وصل في حكم الباطن في ذلك) اعلم أن التنزيه المعبر عنه هنا بطهارة المسح متعلقة إما الحق كما قدمنا وإما العبد الذي نزهة والقسمة منحصرة فما ثم إلا عبد ورب وخالق ومخلوق ولنا في هذه المسألة لفظة أعلى وأسفل وصفة العلو لله تعالى لأنه رفيع الدرجات لذاته قال تعالى سبح اسم ربك الأعلى وما في القرآن أقرب نسبة إلى مسح أعلى الخف من هذه الآية والسفل لنا وكذلك أيضا ظاهر الخف وباطنه أعني هاتين اللفظتين قد يكون الحق له حكم الظاهر والباطن وقد يكون حكم الظاهر له في خرق العوائد وحكم الباطن له في نفس العوائد وهي أكثر الآيات الدالة على الله لقوم يعقلون فتارة يعلق التنزيه بالأعلى سبحانه وتعالى حقيقة وهو حد الواجب من ذلك ويستحب إطلاق التنزيه على العبد من حيث إن عمله لذلك يعود عليه وهذا على مذهب من يرى أن الواجب مسح أعلى الخف ويستحب مسح أسفله وتارة يعلق التنزيه بالحق سبحانه ظاهرا وباطنا وهو الذي لا يرى في الوجود إلا الله لغلبة سلطان المشاهدة والتجليات عليه فيرى الحق ظاهرا وباطنا فلا يقع منه تنزيه إلا على الحق سبحانه والتنزيه نسبة عدمية لا وجودية وهو الذي يوجب مسح ظهور الخفين وبطونهما وتارة يعلق التنزيه بالله تعالى لكماله في ذاته ولا يستحب تنزيه الخلق للنقص الذاتي الذي هو له فيقع في الكذب إن نزهة فيرى أنه لو تنزه الممكن يوما ما من جهة ما لصفة كمال هو عليها لكان من حيث تلك الصفة غنيا عن الله ومقاوما له ومحال على الخلق أن يكونوا على صفة يكون لهم بها الغني عن الله فإنهم من جميع الوجوه فقراء إلى الله والله هو الغني الحميد فمنع من استحباب مسح أسفل الخف وقال ما ثم منزه إلا الله العلي الظاهر إلى عباده بنعوت الجلال وهذا كما قلنا مذهب من يرى مسح أعلى الخف ولا يستحب مسح أسفله وتارة يعلق التنزيه أعني وجوبه من اسمه الباطن ويقول إن الباطن محل يبعد العثور على ما يستحقه من نعوت الجلال لبطونه فيكون الواجب تنزيه الحق في اسمه الباطن من أثر الحجاب الذي حكم عليه إن يكون باطنا لا يدرك والله أعلى وأجل أن يحوطه حجاب فوجب تنزيهه من حيث اسمه الباطن فهذا وجه من أوجب مسح الباطن من الخف كأشهب واستحب مسح أعلاه وهو الاسم الظاهر فيقول واستحب تنزيه الحق في اسمه الظاهر وهو تجليه في الصورة لعباده فينزهه عن التقييد بها ولكن التنزيه الذي لا يخرجه عن العلم أنه عين تلك الصورة فإنه أعلم بنفسه من العقل به ومن كل عالم سواه به وقد قال عن نفسه إنه هو الذي يتجلى لعباده في تلك الصورة كما ذكره مسلم في صحيحه فيكون تنزيهه عند ذلك أنه لا يتقيد بصورة أي لا تقيده صورة بل يتجلى في أي صورة يظهر
(٣٤٦)