لقلوبهم وأسرارهم متعلقة بالله من حيث معرفة نفوسهم ولا اجتماع لهم بالنهار مع الغافلين بل حركتهم ليلية ونظرهم في الغيب الغالب عليهم مقام الحزن فإن الحزن إذا فقد من القلب خرب فالعارف يأكل الحلوى والعسل والمحقق الكبير يأكل الحنظل فهو كثير التنغيص لا يلتذ بنعمة أبدا ما دام في هذه الدار لشغله بما كلفه الله من الشكر عليها لقيت منهم بدنيسر عمر الفرقوي وبمدينة فاس عبد الله السماد والعارفون بالنظر إلى هؤلاء كالأطفال الذين لا عقول لهم يفرحون ويلتذون بخشخاشة فما ظنك بالمريدين فما ظنك بالعامة لهم القدم الراسخة في التوحيد ولهم المشافهة في الفهوانية يقدمون النفي على الإثبات لأن التنزيه شأنهم كلفظة لا إله إلا الله وهي أفضل كلمة جاءت بها الرسل والأنبياء توحيدهم كوني عقلي ليسوا من اللهو في شئ لهم الحضور التام على الدوام وفي جميع الأفعال اختصوا بعلم الحياة والأحياء لهم اليد البيضاء فيعلمون من الحيوان ما لا يعلمه سواهم ولا سيما من كل حيوان يمشي على بطنه لقربه من أصله الذي عنه تكون فإن كل حيوان يبعد عن أصله ينقص من معرفته بأصله على قدر ما بعد منه ألا ترى المريض الذي لا يقدر على القيام والقعود ويبقى طريحا لضعفه وهو رجوعه إلى أصله تراه فقيرا إلى ربه مسكينا ظاهر الضعف والحاجة بلسان الحال والمقال وذلك أن أصله حكم عليه لما قرب منه يقول الله خلقكم من ضعف وقال خلق الإنسان ضعيفا فإذا استوى قائما وبعد عن أصله تفرعن وتجبر وادعى القوة وقال أنا فالرجل من كان مع الله في حال قيامه وصحته كحاله في اضطجاعه من المرض والضعف وهو عزيز لهم البحث الشديد في النظر في أفعالهم وأفعال غيرهم معهم من أجل النيات التي بها يتوجهون وإليها ينسبون لشدة بحثهم عنها حتى تخلص لهم الأعمال ويخلصوها من غيرهم ولهذا قيل فيهم النياتيون كما قيل الملامية والصوفية لأحوال خاصة هم عليها فلهم معرفة الهاجس والهمة والعزم والإرادة والقصد وهذه كلها أحوال مقدمة للنية والنية هي التي تكون منه عند مباشرة أفعاله وهي المعتبرة في الشرع الإلهي ففيها يبحثون وهي متعلق الإخلاص وكان عالمنا الإمام سهل بن عبد الله يدقق في هذا الشأن وهو الذي نبه على نقر الخاطر ويقول إن النية هو ذلك الهاجس وأنه السبب الأول في حدوث الهم والعزم والإرادة والقصد فكان يعتمد عليه وهو الصحيح عندنا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع والثلاثون في معرفة شخص تحقق في منزل الأنفاس فعاين منها أمورا أذكرها إن شاء الله) إن المحقق بالأنفاس رحمان * فالعرش في حقه إن كان إنسان وإن توجه نحو العين يطلبها * له العماء وإحسان فإحسان مقامه باطن الأعراف يسكنه * يزوره فيه أنصار وأعوان له من الليل إن حققت آخره * كما له من وجود العين إنسان إن لاح ظاهره تقول قرآن * أو لاح باطنه تقول فرقان قد جمع الله فيه كل منقبة * فهو الكمال الذي ما فيه نقصان اعلم أيدك الله بروح القدس أن المعلومات مختلفة لأنفسها وأن الإدراكات التي تدرك بها المعلومات مختلفة أيضا لأنفسها كالمعلومات ولكن من حيث أنفسها وذواتها لا من حيث كونها إدراكات وإن كانت مسألة خلاف عند أرباب النظر وقد جعل الله لكل حقيقة مما يجوز أن يعلم إدراكا خاصا عادة لا حقيقة أعني محلها وجعل المدرك بهذه الإدراكات لهذه المدركات عينا واحدة وهي ستة أشياء سمع وبصر وشم ولمس وطعم وعقل وإدراك جميعها للأشياء ما عدا العقل ضروري ولكن الأشياء التي ارتبطت بها عادة لا تخطئ أبدا وقد غلط في هذا جماعة من العقلاء ونسبوا الغلط للحس وليس كذلك وإنما الغلظ للحاكم وأما إدراك العقل المعقولات فهو على قسمين منه ضروري مثل سائر الإدراكات ومنه ما ليس بضروري بل يفتقر في علمه إلى أدوات ست منها الحواس الخمس التي ذكرناها ومنها القوة المفكرة ولا يخلو معلوم يصح أن يعلمه مخلوق أن يكون مدركا بأحد هذه الإدراكات وإنما قلنا إن جماعة غلطت في إدراك الحواس فنسبت إليها الأغاليط وذلك أنهم رأوا إذا كانوا في سفينة تجري بهم مع
(٢١٣)