والعصر وقالت طائفة يعيد الصلوات كلها وأما إذا صلى في جماعة فهل يعيد في جماعة أخرى فمن قائل يعيد ومن قائل لا يعيد وأما مذهبنا في مثل هذه المسألة أن الجماعة فرض إذا قدر عليها فإن لم يقدر عليها فيصلي منفردا فإن أدرك الجماعة ولو كان صلى في جماعة فإنه يصلي مع الجماعة إذا أدركها إجابة لندائه في الإقامة حي على الصلاة وهي له نافلة في الحالتين وله أجر الجماعة إذا لم يقدر عليها (وصل في اعتبار ذلك في النفس) لما عين الشارع المناجاة للصلاة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه وجعلت قرة عيني في الصلاة أعلاما بأنه من أهل مشاهدة الحق فيها على وجه أتم من مشاهدة الاتباع في قوله في الإحسان أن تعبد الله كأنه تراه وما خص عبادة من عبادة والله يقول إن الله يحب التوابين وهم الذين يكثرون الرجوع إليه سبحانه في كل حال يرضيه ولا حال أشرف من الصلاة لجمعها بين الشهود والمناجاة وقال ويحب المتطهرين والطهارة من شروط الصلاة والمحب يتمنى ويشتهي أنه لا يزال في مشاهدة محبوبه على الدوام ومناجاته فكيف إذا دعاه الحبيب إلى ذلك بقوله حي على الصلاة قد قامت الصلاة فبالضرورة يبادر ويسابق إلى ما دعاه ليلتذ بشهوده ومناجاته فيرى من هذا حاله إعادة الصلوات في الجماعة متى أقيمت ودعى إليها وإن كان قد صلى منفردا أو في جماعة وقد بينا معنى الفذ والجماعة في الفصل الذي قبل هذا وأما من ذهب إلى أنه لا يعيد الصلاة فهم العارفون كما إن الذين يرون الإعادة هم المحبون وذلك أن العارفين علموا إن الإعادة محال وأن التجلي الذي كان له في صلاته غير التجلي الذي يكون له في الصلاة الأخرى إلى ما لا يتناهى فلما استحال عنده التكرار والإعادة للاتساع الإلهي لم تصح عنده الإعادة فالمحب يصلي معيدا وهو لا يعلم والعارف يصلي لا على جهة الإعادة وهو يعرف فالعلم أشرف المقامات والحب أشرف الأحوال والجامع بين المقامين المحبة والمعرفة يقول بالإعادة للتجلي وبعدم الإعادة للمتجلي له فله الأولية في كل صلاة فرضا كانت أو نفلا وأما من لا يرى إعادة المغرب فإن المغرب وترية العبد والوتر الليلي وترية الحق فإن وتر الليل ركعة واحدة والأحدية له تعالى وجل ووترية المغرب ثلاث ركعات فجمع بين الشفع والوتر وهو أول الأفراد وإن الله وتر يحب الوتر فلا يرى العبد ربه من حيث شفعيته وإنما يراه من حيث وترية الفردية ولله وترية الفردية في كونه إلها ووترية الأحدية من كونه ذاتا وإذا رأى العبد ربه من حيث وتريته الإلهية الفردية من تلك الوترية الإلهية الفردية يرى وترية الذات الأحدية لا من جهة وترية العبد الفردية فلم ير الله إلا بالله فلو أعاد المغرب لصارت وترية العبد شفعا فلم يكن يرى ربه وترا أبدا فقال بترك الإعادة للمغرب دون غيرها من الصلوات ومن قال بإعادة المغرب قال يعيدها بوترية الفردانية الإلهية لا بوتريته فتبقى وتريته على فرديتها لا تصير شفعا بإعادة صلاة المغرب فإن الحق متميز عن الخلق بلا شك من كل وجه وأما من لم ير إعادة الصبح فإن الصبح الأول عين الفرض وكذلك العصر والصبح الثاني والعصر الثاني هما نافلة والإنسان في أداء الفرض عبد محض عبودية اضطرار وهو في النفل عبد اختيار وعبودية الاضطرار أشرف في حقه من عبودية الاختيار لأن له في عبودية الاختيار الامتنان بالاسترقاق قال تعالى يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ولما شبه الحق رؤية العباد إياه برؤيتهم الشمس صار للشمس عندهم مزيد رتبة ولا سيما للمحبين لكون الحبيب ضرب برؤيتها المثل في رؤيته في التشبيه فهم إذا رأوها كأنهم يرون الله لأن رؤيتهم إياها تذكرهم ما وعدهم الله به من رؤيته فيريدون أن لا تطلع الشمس عليهم إلا وهم موصوفون بعبودية الاضطرار ولا تغرب عليهم الشمس إلا وهم أيضا في عبودية الاضطرار كما يريدون رؤية الله في حال الاضطرار والعبودية المحضة فإن لذتها أتم وأحلى كما إن رؤيتها أعم وأجلي ولتكون الشمس في غروبها وطلوعها تقول لربها تركناهم عبيد اضطرار وأتيناهم وهم عبيد اضطرار كما تقول الملائكة الذين يعرجون في صلاة الصبح وصلاة العصر فيسألهم الحق جل جلاله وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون فلا تنصرف عنهم الملائكة الذين كانوا معهم ولا تأتيهم الملائكة الأخر إلا عند شروعهم في الصلاة سواء قاموا إليها في أول الوقت أو في آخره كل إنسان لا تنصرف عنه ملائكته إلا كما قلنا ولهذا عند أهل الايمان وأهل
(٤٤٤)