الذي يجب عليه الزكاة وهو الذي يأخذ الصدقات كما قال وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ولكن بوجوه ونسب مختلفة فهو المعطي والآخذ لا إله إلا هو ولا فاعل سواه فيوجب من كونه كذا ويجب عليه من كونه كذا قال تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة أي أوجب وفرض لم يوجب ذلك عليه موجب بل هو سبحانه الموجب على نفسه منة منه وفضلا علينا فحقائق أسمائه بها تعرف إلينا وعلى حقائق هذه الأسماء أثبتت الشرائع الإلهية كلها قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا وقسم فقال في نسق هذا الكلام ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وهو ما يسوءك فأنت محل أثر السوء فمن حيث هو فعل لا يتصف بالسوء هو للاسم الإلهي الذي أوجده فإنه يحسن منه إيجاد مثل هذا الفعل فلا يكون سوءا إلا من يجده سوء أو من يسوءه وهو نفس الإنسان إذ لا يجد الألم إلا من يوجد فيه ففيه يظهر حكمه لا من يوجد فإنه لا حكم له في فاعله فهذا معنى قوله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وإن كانت الحسنة كذلك فذلك يحسن عند الإنسان فإنها أيضا تحسن من جانب الحق الموجد لها فأضيفت الحسنة إلى الله فإنه الموجد لها ابتداء وإن كانت بعد الإيجاد تحسن أيضا فيك ولكن لا تسمى حسنة إلا من كونها مشروعة ولا تكون مشروعة إلا من قبل الله فلا تضاف إلا إلى الله ولهذا قلنا في السيئة إنها من قبل الحق حسنة لأنه بينها لتجتنب فتسوء من قامت به إما في الدنيا وإما في العقبى فقد يكون الترك سيئة وليس بفعل وقد يكون الفعل سيئة وكذلك الحسنة قد تكون فعلا وتركا والتوفيق الإلهي هو المؤثر في الفعل والترك من حيث ما هو ترك له ومن حيث ما هو ظاهر منه إذا كان فعلا وما من حق واجب على العبد من ترك وفعل إلا ولله فيه حق يقوم به الحاكم نيابة عن الله فإن كان ما بقي من ذلك الفعل أو الترك حق لله تعالى فهو حق لله من جميع وجوهه لا حق لمخلوق فيه كالصلاة وإقامة الحدود وإن كان ما بقي من ذلك الفعل أو الترك حق لمخلوق كضرب أو شتم أو غصب مال ففيه حق لله وهو ما ذكرناه وفيه حق للمخلوق والحق الذي فيه لله هو عين الزكاة الذي في جميع أفعال الله في خلقه والحاكم نائبه فيما استخلفه فيه فإن شاء قبضه وإن شاء تركه على ما يعطيه الحال والمصلحة ولا حرج عليه في ذلك وهو المسمى تعزيرا فيما لا حد فيه فتقطع يد السارق ولا بد وإن أخذ المال من يده وعاد إلى صاحبه فالحاكم مخير إن شاء عزره بذلك القدر الذي فيه لله من الحق المشروع وإن شاء لم يعزره ويترك ذلك لله حتى يتولاه في الآخرة بلا واسطة (وصل) ومن هذا الباب أرض الخراج إذا انتقلت إلى المسلمين وهي الأرض التي كانت بيد أهل الذمة هل فيها عشر مع الخراج أم لا فمن قائل إن فيها العشر أعني الزكاة ومن قائل ليس فيها عشر فاعلم أن الزكاة إما أن تكون حق الأرض أو حق الحب فإن كانت حق الأرض لم تجب الزكاة لأنه لا يجتمع فيها حقان وهو العشر والخراج وإن كانت حق الحب كان الخراج حق الأرض والعشر حق الحب والخلاف في بيع أرض الخراج معلوم عند العلماء (وصل) الاعتبار في ذلك الأعمال البدنية بمنزلة الزرع والبدن بمنزلة الأرض والهوى حاكم على الأرض فإذا انتقلت هذه الأرض إلى حكم الشرع الذي هو العمل بما يقتضيه الإسلام فخراج الأرض هو ما لله عليه من الحقوق من حيث إن جعلها ذات إدراكات وهو علم يستقل بإدراكه العقل فلله في هذه الأرض الخراج إذ شكر المنعم محمود وهو المنعم بها سبحانه فإذا حصلت هذه الأرض في يد المسلم أعني الشرع وانتقلت إليه فالمسلمون على قسمين عارف وغير عارف فالعارف إذا زرع الأعمال الصالحة في هذه الأرض رأى أن الزكاة حق العمل لا حق الأرض فأوجب الزكاة في العمل وهو أن يرد الأعمال إلى عاملها وهو الحق سبحانه وغير العارف يرى أن العمل للقوى البدنية وقد وجب عليها الخراج فلا تجب عنده الزكاة حتى لا يجتمع عليها حقان فإنه لا يرى العمل إلا لنفسه فإنه غير عارف ولم يكلف الله نفسا إلا ما آتاها وقال ذلك مبلغهم من العلم وأما قولنا في هذه المسألة فإنه يجتمع في الأرض حقان ولا يبعد ذلك لأن الأرض من كونها بيد من هي بيده يمنع غيره من التصرف فيها إلا بإذنه فعليه حق فيها يسمى الخراج ومن حيث إنه زرعها فاختلف حال الأرض بكونها قد زرعت من كونها لم تزرع فوجب فيها حق آخر من كونها ذات زرع فوجب العشر فيها من كونها مزدرعة ووجب الخراج فيها من كونها بيده وحكمه عليها وكذلك نأخذه في الاعتبار (وصل) وأما أرض العشر إذا انتقلت إلى الذمي فزرعها فمن
(٥٥٦)