(بسم الله الرحمن الرحيم) واعلم أيضا أن المرأة إنما خالفت الرجل في أكثر الأحكام في الحج لأنها جزء منه وإن اجتمعا في الإنسانية ولكن تميزا بأمر عارض عرض لهما وهو الذكورية للرجل والأنوثة للمرأة وخلقت منفعلة عنه ليحن إليها حنين من ظهرت سيادته بها فهو يحبها محبة من أعطاه درجة السيادة وهي تحن إليه وتحبه حنين الجزء إلى الكل وهو حنين الوطن لأنه وطنها مع ما يضاف إلى ذلك من كون كل واحد موضعا لشهوته والتذاذه وقد تبلغ المرأة في الكمال درجة الرجال وقد ينزل الرجل في النقص إلى ما هو أقل من درجة النقص الذي للمرأة وقد يجتمعان في أحكام من العبادات ويفترقان غير أن الغالب فضل عقل الرجل على عقل المرأة لأنه عقل عن الله قبل عقل المرأة لأنه تقدمها في الوجود والأمر الإلهي لا يتكرر فالمشهد الذي حصل للمتقدم لا سبيل أن يحصل للمتأخر لما قلنا من أنه تعالى لا يتجلى في صورة مرتين ولا لشخصين في صورة واحدة للتوسع الإلهي وهذه هي الدرجة التي يزيد بها الرجل على المرأة وأين الكل من الجزء وإن لحقه في الكمال ولكنه كمال خاص كما لحق بعض أعضاء الإنسان إذا قطع في الدية تلف الإنسان في كمالها وبعض الأعضاء على النصف من ذلك وأقل فما كل جزء يلحق بالكل في كل الدرجات فحرم المخيط على الرجل في الإحرام ولم يحرم على المرأة فإن الرجل وإن كان خلق من مركب فهو من البسائط أقرب فهو أقرب الأقربين والمرأة خلقت من مركب محقق فإنها خلقت من الرجل فبعدت من البسائط أكثر من بعد الرجل والمخيط تركيب فقيل لها ابقي على أصلك وقيل للرجل ارتفع عن تركيبك فأمر بالتجرد عن المخيط ليقرب من بسيطه الذي لا مخيط فيه وإن كان مركبا فإنه ثوب منسوج ولكنه أقرب إلى الهباء منه من القميص والسراويل وكل مخيط والهباء بسيط فما قرب منه عومل بمعاملته وما بعد عنه تميز في الحكم عن القريب ثم إن الرجل وهو آدم خلق على صورته وخلقت حواء على صورة آدم وخلق البنون من امتزاج الأبوين لا من واحد منهما بل من المجموع حسا ووهما فكان استعداد الأبناء أقوى من استعداد الأبوين لأن الابن جمع استعداد الاثنين فكمال الابن الكامل أعظم من كمال الأب ولهذا اختص محمد صلى الله عليه وسلم بالكمال الأتم لكونه ابنا وكل ابن في النشأة له هذا الكمال غير أنهم في الكمال يتفاضلون لأجل الحركات العلوية والطوالع النورانية والاقترانات السعادية فما كل ابن له هذا الكمال الثاني الزائد على نشأته فهذه دقيقة أخرى يعطيها الوجه الخاص الإلهي في التجلي للسبب الذي يكون عنه هذا الابن يعين ذلك الوجه اسم إلهي يكون في الكمال الإحاطي أكمل من غيره من الأسماء كالعالم فإنه أتم في الإحاطة من سائر الأسماء بما لا يتقارب فمن كان ذا أب وأم واسم إلهي إحاطي خاص رفيع الدرجات كان أكمل ممن كان ذا أب وأم واسم إلهي دونه في الإحاطة والدرجة ومن كان عن أم وأب متوهم مثالي أشبه جده لأمه إذ لا أب له مثل عيسى عليه السلام فصفته صفة جده آدم في صدوره عن الأمر بذا ورد التعريف الإلهي فقال إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم أي الاسم الإلهي الذي وجد عنه آدم وجد عنه عيسى خلقه من تراب الضمير يعود على آدم فعيسى أخ لحواء وهو ابن بنتها ومن كان عن أب دون أم قصر عن درجة أبيه كحواء خلقت من القصيري فقصرت وعوجها استقامتها فانحناؤها حنوها على أبنائها وعلى ما له من الخزائن مثل انحناء الأضلاع على ما في الجوف من الأحشاء والأمعاء المختزنة فيه لصلاح صاحبه فاعوجاجها عين استقامتها التي أريدت له ولهذا اعوجاج القوس عين استقامته فإن رمت أن تقيمه على الاستقامة الخطية المعلومة كسرته فلم تبلغ أنت بالاستقامة التي تطلبها منه غرضك الذي تؤمله وهذا لجهلك بالاستقامة اللائقة به فما في العالم إلا مستقيم عند العلماء بالله الواقفين على أسرار الله في خلقه فإنه قد بين لنا ذلك في قوله تعالى أعطى كل شئ خلقه وهو عين كمال ذلك الشئ فما نقصه شئ وسبب ذلك كوننا مخلوقين على من له الكمال المطلق فأشبهنا في التقييد بإطلاقه فإن الإطلاق تقييد بلا شك إذ به يميز عن المقيد فما يصدر عن الكامل شئ إلا وذلك على كماله اللائق به فما في العالم ناقص أصلا ولولا الأعراض التي تولد الأمراض لتنزه الإنسان في صورة العالم كما يتنزه العالم ويتفرج فيه فإنه بستان الحق والأسماء ملاكه بالاشتراك فكل اسم له فيه حصة فهذا الذي تعطيه الحقائق فالكمال للأشياء وصف ذاتي والنقص أمر عرضي وله كمال في ذاته
(٦٧٩)