الشفيع على علم بتوحيد من يشفع فيه وآخر شافع حيث كان الاسم الرؤوف يشفع عند الاسم الجبار المنتقم في نجاة من عنده علم التوحيد مع وصول الدعوة إليه وتوقفه في القبول فإن الموحد الذي لم تصل إليه الدعوة لا يدخل النار فلا تكون الشفاعة إلا في العصاة الذين بلغتهم الدعوة فمنهم من آمن ومنهم من توقف إيمانه بهذا الشخص من أجل ما جاء به لأنه استند إلى عظيم لا ينبغي أن يفتري عليه فاحتاج إلى دليل يقطع به على صدق دعواه فيما يبلغه أنه من عند الله فلهذا توقف إذ لم يرزقه الله العلم الضروري ابتداء بصدق دعوى هذا الرسول قال تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا يعني نبعثه بالآيات البينات على صدق دعواه وكذا أخبر الله تعالى أنه أيد الرسل بالبينات ليعذر الإنسان من نفسه والايمان نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده فإذا انضاف إلى نور العلم فهو نور على نور فلنشرع في حال الميت الذي يصلي عليه وما يجب له وما يجب من أجله علينا من تجهيزه على الصفات التي أمرنا الشارع بها فمن ذلك التلقين التلقين عند الموت إذا احتضر فإن الهول شديد والمقام عظيم وهو وقت الفتنة التي هي فتنة المحيا بما يكشفه المحتضر عند كشف الغطاء عن بصره فيعاين ما لا يعاينه الحاضر ويتمثل له من سلف من معارفه على الصور التي يعرفهم فيها وهم الشياطين تتمثل إليه على صورهم بأحسن زي وأحسن صورة ويعرفونه أنهم ما وصلوا إلى ما هم فيه من الحسن إلا بكونهم ماتوا مشركين بالله فينبغي للحاضرين عنده في ذلك الوقت من المؤمنين أن يلقنوه شهادة التوحيد ويعرفوه بصورة هذه الفتنة لينتبه بذلك فيموت مسلما موحدا مؤمنا فإنه عند ما يتلفظ بشهادة التوحيد ويتحرك بها لسانه أو يظهر نورها من قلبه بتذكره إياها فإن ملائكة الرحمة تتولاه وتطرد عنه تلك الصور الشيطانية التي تحضره الحالة الثانية من التلقين وكذلك ينبغي أن يلقن إذا أنزل في قبره وستر بالتراب من أجل سؤال القبر فإن الملكين منظرهما فظيع وسؤالهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام ما فيه تعظيم ولا تبجيل في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن يقولا له ما تقول في هذا الرجل وهذه هي فتنة الممات المستعاذ منها وأما استعاذة الأنبياء عليهم السلام منها فإنهم مسؤولون عمن أرسل إليهم وهو جبريل عليه السلام كما نسأل نحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ في التشهد في الصلاة من فتنة المحيا والممات لعلمه بأن الأنبياء تفتن في الممات كما يفتن المؤمنون فأمر المؤمنين بالاستعاذة من ذلك في الصلاة فإن الإنسان في الصلاة في مقام قربة من الله بمناجاته فيسأله على الكشف (وصل) ومما يستحب من الشروط المخاطب بها أهل الميت أن يستقبلوا به القبلة عند الاحتضار فإن كان على قفاه فيستقبل القبلة برجليه وإن كان على جنبه فيستقبل القبلة بوجهه (وصل) ومما يستحب تعجيل دفنه والإسراع به إلى قبره فإن كان سعيدا أسرعتم به إلى خيره وإن كان شقيا فشر تضعونه عن رقابكم فيراعي الميت في السعادة ويراعى الحي الذي هو حامله بوضع الشر عنه فهذا إسراع من أجل الميت وهذا إسراع من أجل حامله وإنما ورد التفسير من الشرع في الإسراع بهذا ليعلم أن الله ما كلف عباده إلا من أجل الخير لا لينالوا بذلك شرا فاعتبر في حق الشقي حامله فقال أسرعوا بالجنازة فإنه شر تضعونه عن رقابكم واعتبر في حمل السعيد الميت فقال أسرعوا به فإنه خير تقدمونه إليه فما ألطف حكم الشارع وقد ورد أن العجلة من الشيطان إلا في ثلاث منها تجهيز الميت ومن تجهيزه الإسراع به إلى دفنه فيقول الميت وهو على نعشه حين يحمل إذا كان سعيدا قدموني قدموني وإذا كان شقيا يقول إلى أين تذهبون بي يسمع ذلك منه كل دابة إلا الثقلين (وصل) ومما يتعلق بالحي من الميت أيضا غسله وهو كالطهارة للصلاة وفعله مخاطب به الحي واختلف الناس فيه أعني في حكمه فمن قائل إنه فرض على الكفاية ومن قائل إنه سنة على الكفاية فمن قال بوجوبه فللأمر الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم اغسلنها ثلاثا أو خمسا وقوله في المحرم اغسلوه فهذا أمر في الصيغة بلا شك فإذا اقترنت معه قرينة حال تخرجه مخرج التعليم لصفة الغسل جعلته سنة ومن رأى أنه يتضمن الأمر والصفة قال بالوجوب (واعتبار) الميت الجاهل والموت الجهل فيجب على العالم تعليم الجاهل لأن من جهل الجاهل أنه لا يعلم أن السؤال يجب عليه فيما لا يعلمه فيتعين على العالم أن يعلمه أن من لا يدري حكم الشرع في حركاته أن يسأل أهل الذكر ومتى لم يفعل فقد عصى ويعلمه ما يتعين عليه تعليمه إياه فتلك طهارته وهذا هو غسل الميت في الاعتبار مختصر
(٥٢٠)