وسلم من قرآن وأخبار قال تعالى وأوحى ربك إلى النحل فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرفنا في ردنا ما تعدد من الأحكام لعين واحدة لا يكون عن نظر عقلي وإنما يكون عن وهب إلهي وكشف رباني الذي لا تقدح فيه شبهة فهذا أعني تلبيد الرأس بالعسل دون غيره من الملبدات (حديث ثاني عشر المحرم لا يطوف بعد طواف القدوم إلا طواف الإفاضة) خرج البخاري عن ابن عباس قال انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة يعني في حجة الوداع الحديث وفيه ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة يعني طواف القدوم أصل أعمال العبادات مبنية على التوقيف ينبغي أن لا يزاد فيها ولا ينقص منها والمحرم بالحج كالمحرم بالصلاة فلا ينبغي أن يفعل فيها إلا ما شرع أن يفعل فيها ومن الأفعال في العبادات ما هو مباح له فعله أو تركه ومنها ما يكون من الفعل فيها مرغبا ومنها أفعال تقدح في كمالها ومنها أفعال تبطلها ولو كانت عبادة كمن تعين عليه كلام وهو في الصلاة فإن تكلم بذلك بطلت الصلاة أو فعل فعلا يجب عليه مما يبطل الصلاة فعله ولا خلاف بين العلماء في أنه إن طاف لا يؤثر في حجه فسادا ولا بطلانا الحقائق لا تتبدل فالتطوع لا يكون وجوبا والتطوع ما يكون المكلف فيه مخيرا إن شاء فعله وإن شاء تركه فله الفعل والترك فمن رأى الترك لم يؤثر في حكم التطوع تحريما ولا كراهة ومن رأى الفعل لم يؤثر في حكمه وجوبا وهذا سار في جميع أحكام الشرائع الخمسة فنسبة التطوع للعبد نسبة أفعال الله إلى الله لا يجب عليه فعلها ولا تركها ولهذا جعل المشيئة في ذلك فأكمل ما يكون العبد في اتصافه بصفة الحق في تصرفه في المباح فإن الربوبية ظاهرة فيه والإباحة مقام النفس وعينها وخاطرها من الأحكام الخمسة الشرعية لأنها على الصورة أوجدها الله فلا بد أن يكون حكمها هذا وأما شبه الإيجاب فلا يكون ذلك إلا في النذر لا غيره فإن الحق أوجب على نفسه أمورا ذكرها لنا في كتابه وصاحب النذر أوجب على نفسه ما لم يوجب الله عليه ابتداء فما أوجب الله على العبد الوفاء بنذره إلا بالنسبة التي أوجب على نفسه فتقوى الشبه في وجوب النذر كما تقوى في التطوع وأما التحريم ففيه من الشبه تحجير المماثلة فقال ليس كمثله شئ فحجر على الكون أن يماثله أو يماثل مثله المفروض فكان عين التحجير عليه إن يتجلى في صورة تقبل التشبيه فإن كان نفس الأمر يقتضي نفي التشبيه فقد شاركناه في ذلك فإنه لا يقبل التشبيه بنا ولا نقبل التشبيه به وإن لم يكن في نفس الأمر كذا وإنما اختار ذلك أي قام في هذا المقام لعبيدة فقد حكم على نفسه بالتحجير فيما له أن يقوم في خلافه كما حجر علينا فعلى الحالتين قد حصل نوع من الشبه وأما لوجوب فصورة الشبه أنه على ما يجب له ونحن على ما يجب لنا قال لأبي يزيد تقرب إلي بما ليس لي الذلة والافتقار فله الغني والعزة من حيث ذاته واجبة ولنا الذلة والافتقار من حيث ذاتنا واجب هذا هو الوجوب الذاتي وأما الوجوب بالموجب فإنه أوجب علينا ابتداء أمورا لم نوجبها على أنفسنا فيكون قد أوجب علينا بإيجابنا إياها على أنفسنا كالنذر فأوجب على نفسه أن يخلق الخلق ابتداء أوجبه عليه طلب كمال العلم به وكمال الوجود فهما الذي طلبا منه خلق الخلق لما كان له الكمال وما رأى لكماله حكما لم يكن لكماله تعلق فطلب فأوجب يطلبه عليه إن يوجد له صورة يرى نفسه فيها لأن الشئ لا يرى نفسه في نفسه عند المحققين وإنما يرى نفسه في غيره بنفسه ولذلك أوجد الله المرآة والأجسام الصقيلة لنرى فيها صورنا فكل أمر ترى فيه صورتك فتلك مرآة لك قال النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن مرآة أخيه فخلق الخلق فكمل الوجود به وكمل العلم به فعاين كمال الحق نفسه في كمال الوجود فهذا واجب بموجب فوقع الشبه بالوجوب بالموجب كما وقع فيما وقع من الأحكام وحكم الندب والكراهة يلحقان بالمباح وإن كان بينهما درجة فالمندوب هو ما يتعلق بفاعله الحمد ولا يذم بترك ذلك الفعل وشبهه في الجناب الإلهي ما يعطيه من النعم لعباده زائدا على ما ندعو إليه الحاجة فيحمد على ذلك وإن لم يفعله فلا يتعلق به ذم لأن الحاجة لا تطلبه إذ قد استوفت حقها فهذا شبه المندوب وأما شبه المكروه فالله يقول عن نفسه إنه يكره فإنه قال وأكره مساءته وقال ولا يرضى لعباده الكفر والكراهة المشروعة هي ما يحمد تاركها ولا يذم فاعلها فتشبه الندب ولكن في النقيض فإذا كان للعبد غرض فيما عليه فيه ضرر وهو أكثر ما في الناس فيسأل نيل ذلك الغرض من الله فما فعله الله له فيكره
(٧٣٩)