ولده بما لا يرضيه فإنه يورثه الحرج وضيق الصدر لمزاحمة الثاني فلهذا اشترط في الآتي إلى البيت أن لا يرفث ولا يفسق أي لا يخرج على سيده فيدعي في نعته ويزاحمه في صفاته إذ الفسوق الخروج فمن بقي في حال وجوده مع الله كما كان في حال عدمه فذلك الذي أعطى الله حقه ولهذا الداء العضال أحاله على استعمال دواء أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم بك شيئا يقول له كن معي في شيئية وجودك كما كنت إذ لم تكن موجودا فأكون أنا على ما أنا عليه وأنت على ما أنت عليه فمن استعمل منا هذا الدواء عرف حق الله فأعطاه ما يجب له ومن لم يعرف ولا استعمل هذا الدواء وخلط كثرت أمراضه وآلامه في عين أفراحه وأغضب الحق عليه فيما هو فارح مسرور به ففي بعض أفراحك غضبه فتنبه إلى ما في هذا الحديث من الأسرار على هذا الأسلوب وأمثاله فإن فيه علوما يطول الكتاب بتفصيلها وتعيينها (حديث رابع في فصل عرفة والعتق فيه) خرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء حتى يقولوا مغفرتك ورضاك عنهم فقصد الحق مباهاة الملائكة بهم وسؤاله إياهم ما أراد هؤلاء حجاب رقيق على قصد المباهاة جبر القلوب الملائكة ولما ظهر الإباق في عبيد الله واسترقتهم الأهواء والشهوات وصاروا عبيدا لها وخلق الله النار من الغيرة الإلهية فغارت لله وطلبت الانتقام من العبيد الذين أبقوا وقد جاء الخبر أن العبد إذا أبق فقد كفر والكفر سبب الاسترقاق فصاروا عبيدا للأهواء بالكفر فاحتالت النار على أخذهم من يد الأهواء للانتقام فلما استحقتهم النار وأرادت إيقاع العذاب بهم اتفق أن وافق من الزمان يوم عرفة فجاء اليوم شفيعا عند الله في هؤلاء العبيد بأن يعتقهم من ملك النار إذ كانت النار من عبيد الله المطيعين له فجاد الله عليهم بشفاعة ذلك اليوم فأعتق الله رقابهم من النار فلم يكن للنار عليهم سبيل فكثر خير الله وطاب وطهر الله قلوبهم من الشهوات المردية لا من أعيان الشهوات فأبقى أعيان الشهوات عليهم وأزال تعلقها بما لا يرضى الله فلما أوقفهم بعرفات أظهر عليهم أعيان الشهوات لتنظر إليها الملائكة ولما كانت الملائكة لا شهوة لهم كانوا مطيعين بالذات ولم يقم بهم مانع شهوة يصرفهم عن طاعة ربهم فلم يظهر سلطان لقوة الملائكة عندهم إذ ليس لهم منازع فكانوا عقولا بلا منازع فلما أبصرت الملائكة عقول هؤلاء العبيد مع كثرة المنازعين لهم من الشهوات ورأوا حضرة البشر ملأى منها علموا أنه لولا ما رزقهم الله من القوة الإلهية على دفع حكم تلك الشهوات المردية فيهم ما أطاقوا وأنهم ربما لو ابتلاهم الله بما ابتلى به البشر من الشهوات ما أطاقوا دفعها فقصرت نفوسهم عندهم وما هم فيه من عبادة ربهم وعلموا إن القوة لله جميعا وأن الله له بهم عناية عظيمة السلطان وهذا كان المراد من الله التباهي مع هذه الحالة ولذلك وصف الحق نفسه بالدنو منهم ليستعينوا بقربه على دفع الشهوات المردية من حيث لا تشعر الملائكة ثم يقول الله للملائكة وهو أعلم ما أراد هؤلاء لينظروا إلى سلطان عقولهم على شهواتهم وما هم فيه من الالتجاء والتضرع والابتهال بالدعاء ونسيان كل ما سوى الله في جنب الله (حديث خامس في الحاج وفد الله) خرج النسائي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد الله ثلاثة الغازي والحاج والمعتمر أراد وفد طلبه في بيته لا غير فإن الله معهم أينما كانوا فما وفد عليك من أنت معه ولكن لله تعالى في عباده نسب وإضافات كما قال تعالى يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا فجعلهم وفود الرحمن لأن الرحمن لا يتقى وكانوا حين كانوا متقين في حكم اسم إلهي تجلى الحق فيه لهم فكانوا يتقونه فلما أراد أن يرزقهم الأمان مما كانوا فيه من الاتقاء حشرهم إلى الرحمن فلما وفدوا عليه أمهم وهكذا نسبتهم إلى رب البيت لما تركوا الحق خليفة في الأهل والمال كما جاءت به السنة من دعاء المسافر فارقوا ذلك الحال واتخذوه اسما إلهيا جعلوه صاحبا في سفرهم وجاءت به السنة والعين واحدة في هذا كله ولذلك ورد أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل فإذا قدموا على البيت وهو قصر الملك وحضرته تحجب لهم عنده الاسم إلهي الذي صحبهم في السفر عن أمر الاسم الذي تخلف في الأهل وهو الاسم الحفيظ فتلقاهم رب البيت
(٧٣٦)