الرابط بين المقدمتين خفي في كن وهو الواو المحذوف لالتقاء الساكنين كذلك إذا التقى الرجل والمرأة لم يبق للقلم عين ظاهرة فكان القاؤه النطفة في الرحم غيبا لأنه سر ولهذا عبر عن النكاح بالسر في اللسان قال تعالى ولكن لا تواعدوهن سرا وكذلك عند الإلقاء يسكنان عن الحركة ويمكن إخفاء القلم كما خفي الحرف الثالث الذي هو الواو من كن للساكنين وكان الواو لأن له العلو لأنه متولد عن الرفع وهو إشباع الضمة وهو من حروف العلة وهذا الذي ذكرناه إنما هو إذا كان الملك عبارة عن الأناسي خاصة فإن نظرنا إلى سيادته على جميع ما سوى الحق كما ذهب إليه بعض الناس للحديث المروي إن الله يقول لولاك يا محمد ما خلقت سماء ولا أرضا ولا جنة ولا نارا وذكر خلق كل ما سوى الله فيكون أول منفصل فيها النفس الكلية عن أول موجود وهو العقل الأول وآخر منفصل فيها حواء عن آخر موجود آدم فإن الإنسان آخر موجود من أجناس العالم فإنه ما ثم إلا ستة أجناس وكل جنس تحته أنواع وتحت الأنواع أنواع فالجنس الأول الملك والثاني الجان والثالث المعدن والرابع النبات والخامس الحيوان وانتهى الملك وتمهد واستوى وكان الجنس السادس جنس الإنسان وهو الخليفة على هذه المملكة وإنما وجد آخرا ليكون إماما بالفعل حقيقة لا بالصلاحية والقوة فعندما وجد عينه لم يوجد إلا واليا سلطانا ملحوظا ثم جعل له نوابا حين تأخرت نشأة جسده فأول نائب كان له وخليفة آدم ع ثم ولد واتصل النسل وعين في كل زمان خلفاء إلى أن وصل زمان نشأة الجسم الطاهر محمد صلى الله عليه وسلم فظهر مثل الشمس الباهرة فاندرج كل نور في نوره الساطع وغاب كل حكم في حكمه وانقادت جميع الشرائع إليه وظهرت سيادته التي كانت باطنة فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم فإنه قال أوتيت جوامع الكلم وقال عن ربه ضرب بيده بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فعلمت علم الأولين والآخرين فحصل له التخلق والنسب الإلهي من قوله تعالى عن نفسه هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم وجاءت هذه الآية في سورة الحديد الذي فيه بأس شديد ومنافع للناس فلذلك بعث بالسيف وأرسل رحمة للعالمين وكل منفصل عن شئ فقد كان عامرا لما عنه انفصل وقد قلنا إنه لا خلاء في العالم فعمر موضع انفصاله بظله إذ كان انفصاله إلى النور وهو للظهور فلما قابل النور بذاته امتد ظله فعمر موضع انفصاله فلم يفقده من انفصل عنه فكان مشهودا لمن انفصل إليه ومشهودا لمن انفصل عنه وهو المعنى الذي أراده القائل بقوله (شهدتك موجودا بكل مكان) فمن أسرار العالم أنه ما من شئ يحدث إلا وله ظل يسجد لله ليقوم بعبادة ربه على كل حال سواء كان ذلك الأمر الحادث مطيعا أو عاصيا فإن كان من أهل الموافقة كان هو وظله على السواء وإن كان مخالفا ناب ظله منابه في الطاعة لله قال الله تعالى وظلالهم بالغدو والآصال السلطان ظل الله في الأرض إذ كان ظهوره بجميع صور الأسماء الإلهية التي لها الأثر في عالم الدنيا والعرش ظل الله في الآخرة فالضلالات أبدا تابعة للصورة المنبعثة عنها حسا ومعنى فالحس قاصر لا يقوي قوة الظل المعنوي للصورة المعنوية لأنه يستدعي نورا مقيدا لما في الحس من التقييد والضيق وعدم الاتساع ولهذا نبهنا على الظل المعنوي بما جاء في الشرع من أن السلطان ظل الله في الأرض فقد بان لك أن بالظلالات عمرت الأماكن فهنا قد ذكرنا طرفا مما يليق بهذا الباب ولم نمعن فيه مخافة التطويل وفيما أوردناه كفاية لمن تنبه إن كان ذا فهم سليم وتذكرة لمن شاهد وعلم واشتغل بما هو أعلى أو غفل بما هو أنزل فيرجع إلى ما ذكرناه عند ما ينظر في هذا الباب (فصل) وأما مرتبة العالم الذي بين عيسى ع ومحمد صلى الله عليه وسلم وهم أهل الفترة فهم على مراتب مختلفة بحسب ما يتجلى لهم من الأسماء عن علم منهم بذلك وعن غير علم فمنهم من وحد الله بما تجلى لقلبه عند فكره وهو صاحب الدليل فهو على نور من ربه ممتزج بكون من أجل فكره فهذا يبعث أمة وحده كقس بن ساعدة وأمثاله فإنه ذكر في خطبته ما يدل على ذلك فإنه ذكر المخلوقات واعتباره فيها وهذا هو الفكر ومنهم من وحد الله بنور وجده في قلبه لا يقدر على دفعه من غير فكرة ولا روية ولا نظر ولا استدلال فهم على نور من ربهم خالص غير ممتزج بكون فهؤلاء يحشرون أحفياء أبرياء ومنهم من ألقى في نفسه وأطلع من كشفه لشدة نوره وصفاء سره لخلوص يقينه على منزلة محمد
(١٣٧)