(فصل في وقت صلاة الظهر) قال تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا أي مفروضة في وقت معين سواء كان موسعا أو مضيقا فإنه معين ولا بد بقوله موقوتا فمن أخرج صلاة مفروضة عن وقتها المعين له كان ما كان من ناس أو متذكر فإنه لا يقضيها أبدا ولا تبرأ ذمته فإنه ما صلى الصلاة المشروعة إذ كان الوقت من شروط صحة تلك الصلاة فليكثر النوافل بعد التوبة ولا قضاء عليه عندنا لخروج وقتها الذي هو شرط في صحتها ووقت الناسي والنائم وقت تذكره واستيقاظه من نومه وهو مؤد ولا بد لا يسمى قاضيا على الاعتبار الذي يراه الفقهاء لا على ما تعطيه اللغة فإن القاضي والمؤدي لا فرق بينهما في اللسان فكل مؤد للصلاة فقد قضى ما عليه فهو قاض بأدائه ما تعين عليه أداؤه من الله فلنقل أما وقت صلاة الظهر فاتفق العلماء بالشريعة أن وقت الظهر الذي لا تجوز قبله هو الزوال واختلفوا منها في موضعين في آخر وقتها الموسع وفي وقتها المرغب فيه فأما آخر وقتها الموسع فمن قائل هو أن يكون ظل كل شئ مثله ومن أصحاب هذا القول من يقول إن ذلك المثل الذي هو آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر ومن قائل منهم إنه آخر وقت الظهر خاصة فإن أول وقت العصر إنما هو المثلان وإن ما بين المثل والمثلين لا يصلح لصلاة الظهر وأما وقتها المرغب فيه فمن قائل أول الوقت للمنفرد أفضل ومن قائل أول الوقت أفضل للمنفرد والجماعات إلا في شدة الحر ومن قائل أول الوقت أفضل بإطلاق في انفراد وجماعة وحر وبرد ولكل قائل استدلال ليس هذا موضعه اعتباره الاستواء هو وقوف العبد المربوب في محل النظر من غير ترجيح فيما يعمل أي بأي نية يقصد العبادة هل يعتبر بذلك أداء ما يلزمه من حق العبودية وكونه مربوبا أو يعتبر ما يلزمه بذلك من أداء حق سيده وربه فهو في حال الاستواء من غير ترجيح فإذا زالت الشمس ترجح عند ذلك الزوال عنده أن يعبده لما تستحقه الربوبية على العبودية من الإنعام على هذا العبد من وقت الطلوع إلى وقت الاستواء فيعبده شكرا لهذه النعمة وإن نظر إلى زوالها بعين المفارقة لطلب الغروب عنه وإسدال الحجاب دونه عبده ذلة وفقرا وانكسارا وطلبا للمشاهدة فلا يزال يرقبها إلى الغروب ومن الغروب يرقب آثارها بصلاة المغرب والتنفل بعدها لي مغيب الشفق فيغيب أثرها فيبقى في ظلمة الليل سائلا باكيا متضرعا يراعي نجوم الليل لاستنارتها بنور الشمس ويسأل ويتضرع إلى طلوع الفجر فيرى آثار المجئ وقبول دعائه فيعبده شكرا على ذلك وهو يشاهد آثار القبول فيؤدي فرض الصبح ولا يزال مراقبا بالذكر إلى أن تنجلي طالعة فإذا ابيضت وزال عنها التغير الذي يحول بين البصر وبين بياضها من حجب أبخرة الأرض وهي الأنفاس الطبيعية قام إجلالا على قدم الشكر إلى حد الاستواء فلا يزال في عبادة الفرح والشكر إلى أن تزول فيرجع إلى عبادة الصبر والافتقار وتوقع المفارقة ما دام حيا فهو بين عبادتين وذلك أنه لما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ترون ربكم كما ترون الشمس فاعتبر ذلك في عبادته في صلواته المفروضة والتطوع شكرا وفقرا بين نعمة وبلاء وشدة ورخاء فإن المؤمن من استوى خوفه ورجاؤه فهو يدعو ربه خوفا من حد الزوال إلى الغروب الشفقي وطمعا بقية ليلته إلى طلوع الفجر إلى طلوع الشمس إلى حد الاستواء طمعا أن لا يكون حجاب بعد ذلك هكذا هي عبادات العارفين فافهم فأما آخر الوقت الموسع فهو آخر أحكام الاسم الإلهي المخصوص بذلك الوقت وهو الاسم الظاهر كما إن أول الزوال حكم الاسم الإلهي الأول في الظهور الخاص بالعبادة المشروعة إلى أن يكون ظل كل شئ مثله وهو آخر الوقت كذلك حكم الاسم الإلهي إذا قام به هذا العبد في عبادته الخاصة به في هذا الوقت واستوفاه بحيث أن يكون إذا قابلة به كان مثله أي لم يبق في الاسم الإلهي حكم يختص به بهذا الوقت إلا وأثره ظاهر في هذا العبد فقد انقضى حكم هذا الاسم الإلهي في هذا العبد فخرج وقت الظهر ودخل وقت العصر وهو حكم اسم آخر بين الإسمين فرقان متوهم لا ينقسم معقول غير موجود وهو برزخ بينهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت الأخرى يعني في الأربع الصلوات لدليل آخر فإنه إذا خرج وقت الصبح لم يدخل وقت الظهر حتى تزول الشمس بخلاف الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح فاعلم ذلك فإن اليوم أربع وعشرون ساعة وهو أربعة أرباع كل ربع ست ساعات فمن طلوع
(٣٩٠)