فمن قائل بجواز صلاته وهو مذهبنا وإن كنت أكره له ذلك ومن قائل لا تجوز ومن قائل باستحباب الإعادة في الوقت وهو عندنا عاص بلباس ما لا يحل له وإن جازت صلاته فإنه عندنا من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا اعتبار النفس في ذلك ما في كل موطن برزق الإنسان العصمة في أحواله والتوفيق في جميع أموره فهو فيما يوفق فيه موفق وفيما يخذل فيه مخذول في الوقت الواحد كالذاكر لله بقلبه ولسانه وهو يضرب بيده في تلك الحالة من يأثم بضربه ومن حرم عليه ضربه فلا يقدح ذلك في ذكره كما لا يرفع ذلك الذكر إثمه أو حكم إنه أتى حراما فإن الذكر لا يحلله ولهذا عندنا تصح الصلاة في الدار المغصوبة فهو مأثوم من وجه مأجور من وجه (فصل بل وصل في الطهارة من النجاسة في الصلاة) فمن قائل إنها من فروض الصلاة وأنها لا تصح إلا بإزالتها ومن قائل إنها سنة وقد مضى الكلام فيها في الطهارة ومن قائل إن إزالة النجاسة فرض على الإطلاق ومن هذا مذهبه لا يلزم منه أن يقول إن إزالتها شرط في صحة الصلاة بل يكون مصليا صحيح الصلاة وعاصيا من حمله النجاسة في الصلاة اعتبار ذلك في النفس النجاسة عند من يرى إزالتها فرضا تقتضي البعد عن الله والصلاة تقضي بالقرب للمناجاة فمن غلب القرب على البعد أزال حكمها ومن غلب البعد على القرب لم تصح عنده الصلاة والأولى أن يقال إن العبد متنوع الأحوال وإنه بكله لله وإنه بما كان منه لله لله فإن الله لا يظلم مثقال ذرة فصلاته مقتولة سواء صلى بالنجاسة أو لم يصل والأولى إزالتها بلا خلاف قل ذلك أو كثر ومنزلها أن الإنسان لا يحضر مع الله في كل حال لما جبل عليه من الغفلة والضيق فاعلم ذلك وبالله التوفيق (فصل بل وصل في المواضع التي يصلى فيها) فمن الناس من ذهب إلى إجازة الصلاة في كل موضع لا تكون فيه نجاسة ومنهم من استثنى من ذلك سبعة مواضع المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبل وفوق ظهر الكعبة ومنهم من استثنى من ذلك المقبرة والحمام ومنهم من استثنى المقبرة فقط ومنهم من كره الصلاة في هذه المواضع المنهي عنها وإن لم يبطلها اعتبار النفس في ذلك قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم والمصلي يناجي ربه وقوله والذين هم على صلاتهم دائمون وقول عائشة رضي الله عنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما علمت من أحواله إنه كان صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه وليس للأماكن أثر في حجاب القلب عن ربه إلا لأصحاب الأحوال وإنما الأثر في ذلك للغفلة أو للجهل في العموم أو للحال في أصحاب الأحوال وأما ذكر هذه الأماكن المنهي عنها فإنها كلها تناقض الطهارة وقد تقدم الكلام في الطهارة من النجس واعتباره وما بقي من هذه السبعة إلا الصلاة فوق ظهر البيت وذلك أنك مأمور بالاستقبال إليه في الصلاة وأنت في هذه الحالة لا فيه ولا مستقبله فلم تصل الصلاة المشروعة فإن شطر المسجد الحرام لا يواجهك ومن أجاز ذلك حمل في الاعتبار الوجه على الذات ولا شك أنك بذاتك شطر المسجد الحرام فإنك على ظهره والأرض كلها مسجد (فصل بل وصل في البيع والكنائس) اختلف الناس في البيع والكنائس أعني في الصلاة فيها فكرهها قوم وأجازها قوم وفرق قوم بين أن تكون فيها صور أم لا تكون اعتبار النفس في ذلك هل يناجي الحق شخصان من مرتبة واحدة ذلك عندنا لا يصح للتوسع الإلهي قال تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا تفسير أو إشارة فإن صلينا في مثل هذه الأماكن فمن شرعنا لا من شرعهم فافهم والله الملهم (فصل بل وصل في الصلاة على الطنافس وغير ذلك مما يقعد عليه) اتفق العلماء على الصلاة على الأرض واختلفوا في الصلاة على الطنفسة وغير ذلك مما يقعد عليه على الأرض فالجمهور على إباحة السجود على الحصير وما يشبهه مما تنبته الأرض والكراهة في السجود على غير ذلك الاعتبار في النفس في ذلك لما قال الحق تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي بنصفين فأثبتك في الصلاة وما نفاك وله الوصف الأعلى الأنزه ولك الوصف الأنزل الأدنى فكل نزول منك إلى أرض عبوديتك أو لوازمها فإنه قادح فيما أمرت بتعميمه فإنه سماك
(٤٠٩)