واحد ولا يكون ذلك يوم جمعة أصلا بل يسلب عنه ذلك الحكم لعدم صلاة الجمعة فيه وقد زال عنه اسمه الأول وهو العروبة فلا جمعة ولا عروبة فإن اعتبرت الرتبة الباطنة فقد يرجع عليه اسمه الأول وهو العروبة لا غير فتفطن لما ذكرته لك من زوال اسم الجمعة عنه لأنه ما سمي به إلا لاجتماع الناس فيه على إمام واحد كما اجتمعنا في وجودنا على إله واحد والله الهادي انتهى الجزء الثامن والستون (بسم الله الرحمن الرحيم) (وصل في فصل توقيت الوقوف بعرفة في يومه وليلته) لم تختلف العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وقف إلا بعد الزوال وبعد ما صلى الظهر والعصر ارتفع عن مصلاه ووقف داعيا إلى غروب الشمس فلما غربت دفع إلى المزدلفة وأجمعوا على إن من وقف بعرفة قبل الزوال أنه لا يعتد به إن فارق عرفة وأنه إن لم يرجع ويقف بعد الزوال أو يقف من ليلته تلك قبل طلوع الفجر فقد فاته الحج اعلم أن العرب والزمان العربي في اصطلاحهم وما تواطئوا عليه يتقدم ليله على نهاره جريا على الأصل فإن موجد الزمان وهو الله تعالى يقول وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فجعل الليل أصلا وسلخ منه النهار كما تسلخ الشاة من جلدها فكان الظهور لليل والنهار مبطون فيه كجلد الشاة ظاهر كالستر عليها حتى تسلخ منه فسلخ الشهادة من الغيب ووجودنا من العدم فظهر علم العرب على العجم فإن العجم الذين حسابهم بالشمس يقدمون النهار على الليل ولهم وجه بهذه الآية وهو قوله فإذا هم مظلمون وإذا حرف يدل على زمان الحال أو الاستقبال ولا يكون الموصوف بأنه مظلم إلا بوجود الليل في هذه الآية فكان النهار غطاء عليه ثم سلخ منه أي أزيل فإذا هم مظلمون أي ظهر الليل الذي حكمه الظلمة فإذا الناس مظلمون الممكن وإن كان موجودا فهو في حكم المعدوم وأصدق بيت قالته العرب قول لبيد ألا كل شئ ما خلا الله باطل والباطل عدم فظهر هذا الحكم الأعجمي في الشرع العربي في يوم عرفة فإن العرب والشرع أخروا ليلة عرفة عن يومها كما فعلت الأعاجم أصحاب حساب الشمس فجعل الشرع العربي ليلة عرفة الليلة المتقبلة من يوم عرفة التي يكون صبيحتها يوم النحر وهو اليوم العاشر وسائر الزمان عندهم الليلة لليوم الذي يكون صبيحتها وعند الأعاجم ليلة الجمعة مثلا الذي يكون يوم السبت صبيحتها فاجتمع العرب والعجم في تأخير هذه الليلة عن يومها أعطى ذلك مقام المزدلفة المسمى جمعا فإنه جمع فيه العرب والعجم على حكم واحد فجعلوا ليلة عرفة ليوم عرفة المتقدم لكون الشارع شرع أنه من أدرك الوقوف بعرفة ليلة جمع قبل الفجر فقد أدرك الحج والحج عرفة وكل يوم كامل بليلته من غروب إلى غروب عند العرب ومن شروق إلى شروق عند العجم إلا يوم عرفة فإنه ثلاثة أرباع اليوم المعلوم إلا ساعة وخمسة أسداس ساعة فإنه من زوال الشمس إلى طلوع الفجر خاصة فقد نقص من زمان يوم عرفة عن اليوم المعلوم من طلوع الفجر إلى الزوال وسبب ذلك أنه لما اعتبر في عرفة إنه مقام المعرفة بالله التي أوجبها علينا فكان ينبغي أن لا نسمي عارفين بالله حتى نعلم ذاته وما يجب لها من كونها إلها فإذا عرفناه على هذا الحد فقد عرفناه فصارت المعرفة مقسمة نصفين النصف الواحد معرفة الذات والنصف الآخر معرفة كونه إلها فلما بحثنا بالأدلة العقلية وأصغينا إلى الأدلة الشرعية أثبتنا وجود الذات وجهلنا حقيقتها وأثبتنا الألوهة لها وهو نصف المعرفة بكمالها والربع وجودها أعني وجود الذات المنسوبة إليها الألوهة والربع الرابع معرفة حقيقتها فلم نصل إلى معرفة حقيقتها ولا يمكن الوصول إلى ذلك والزائد على الربع الذي جهلناه أيضا هو جهلنا بنسبة ما نسبناه إليها من الأحكام فإنا وإن كنا نعرف النسبة من كونها نسبة فقد نجهل النسبة الخاصة لجهلنا بالمنسوب إليه فحصلت المعرفة من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس جهلنا بالنسبة ومن طلوع الشمس إلى الزوال وهو ربع اليوم جهلنا بالذات فما أعطى عرفة من المعرفة بالله إلا ما أعطاه زمانه فاعلم فنقص العلم بها عن درجة العلم بكل معلوم فمن لم نعلمه بحقيقته فما علمناه فعلمنا بوجود الذات من أجل الاستناد لا بالذات وعلمنا نسبة الألوهة لها لا كيفية النسبة وهو نصف المعرفة وهذا النصف يتضمن
(٧١٦)