وهو اختلاط الضوء والظلمة فما هو بليل لما خالطه من ضوء الصبح وهو ليس بنهار لعدم طلوع الشمس للأبصار فكذلك هذا الذي يسمى سحرا ما هو باطل محقق فيكون عدما فإن العين أدركت أمرا ما لا تشك فيه وما هو حق محض فيكون له وجود في عينه فإنه ليس في نفسه كما تشهده العين ويظنه الرائي وكرامات الأولياء ليست من قبيل السحر فإن لها حقيقة في نفسها وجودية وليست بمعجزة فإنه على علم وعن قوة همة وأما قول عليم لحقيقتك بربك تراها ذهبا فإن الأعيان لا تنقلب وذلك لما رآه قد عظم ذلك الأمر عند ما رآه فقال له العلم بك أشرف مما رأيت فاتصف بالعلم فإنه أعظم من كون الأسطوانة كانت ذهبا في نفس الأمر فأعلمه إن الأعيان لا تنقلب وهو صحيح في نفس الأمر أي أن الحجرية لم ترجع ذهبا فإن حقيقة الحجرية قبلها هذا الجوهر كما قبل الجسم الحرارة فقيل فيه إنه حار فإذا أراد الله أن يكسو هذا الجوهر صورة الذهب خلع عنه صورة الحجر وكساه صورة الذهب فظهر الجوهر أو الجسم الذي كان حجرا ذهبا كما خلع عن الجسم الحار الحرارة وكساه البرد فصار باردا فما انقلبت عين الحرارة برودة والجسم البارد بعينه هو الذي كان حارا فما انقلبت الأعيان كذلك حكاية عليم الجوهر الذي قبل صورة الذهب عند الضرب هو الذي كان قد قبل صورة الحجر والجوهر هو الجوهر بعينه فالحجر ما عاد ذهبا ولا الذهب عاد حجرا كما إن الجوهر الهيولاني قبل صورة الماء فقيل هو ماء بلا شك فإذا جعلته في القدر وأغليتها على النار إلى أن يصعد بخارا فتعلم قطعا إن صورة الماء زالت عنه وقبل صورة البخار فصار يطلب الصعود لعنصره الأعظم كما كان إذ قامت به صورة الماء يطلب عنصره الأعظم فيأخذ سفلا فهدا معنى قول عليم في هذا المنزل المختص بالأولياء والهمة المجاورة لعلم المعجزة أن الأعيان لا تنقلب وقوله لحقيقتك بربك أي إذا اطلعت إلى حقيقتك وجدت نفسك عبدا محضا عاجزا ميتا ضعيفا عدما لا وجود لك كمثل هذا الجوهر ما لم يلبس الصور لم يظهر له عين في الوجود فهذا العبد يلبس صور الأسماء الإلهية فتظهر بها عينه فأول اسم يلبسه الوجود فيظهر موجودا لنفسه حتى يقبل جميع ما يمكن أن يقبله الموجود من حيث ما هو موجود فيقبل جميع ما يخلع عليه الحق من الأسماء الإلهية فيتصف عند ذلك بالحي والقادر والعليم والمريد والسميع والبصير والمتكلم والشكور والرحيم والخالق والمصور وجميع الأسماء كما اتصف هذا الجسم بالحجر والذهب والفضة والنحاس والماء والهواء ولم تزل حقيقة الجسمية عن كل واحد مع وجود هذه الصفات كذلك لا يزول عن الإنسان حقيقة كونه عبدا إنسانا مع وجود هذه الأسماء الإلهية فيه فهذا معنى قوله لحقيقتك بربك أي لارتباط حقيقتك بربك فلا تخلو عن صورة إلهية تظهر فيها كذلك هذا الجسم لا يخلو عن صورة يظهر فيها وكما تتنوع أنت بصور الأسماء الإلهية فينطلق عليك بحسب كل صورة اسم غير الاسم الآخر كذلك ينطلق على هذا الجوهر اسم الحجرية والذهبية للوصف لا لعينه فقد تبينت فيما ذكرناه الثلاثة الأقسام في خرق العوائد وهي المعجزات والكرامات والسحر وما ثم خرق عادة أكثر من هذا ولست أعني بالكرامات إلا ما ظهر عن قوة الهمة لا إني أريد بهذا الاصطلاح في هذا الموضع التقريب الإلهي لهذا الشخص فإنه قد يكون ذلك استدراجا ومكرا وإنما أطلقت عليه اسم الكرامة لأنه الغالب والمكر فيه قليل جدا فهذا المنزل مجاور آيات الأنبياء عليهم السلام وهو العلم الجزئي من علوم الكون لا يجاور السحر فإن كرامة الولي وخرق العادة له إنما كانت باتباع الرسول والجري على سنته فكأنها من آيات ذلك النبي إذ باتباعه ظهرت للمتحقق بالاتباع فلهذا جاورته فأقطاب هذا المنزل كل ولي ظهر عليه خرق عادة عن غير همته فيكون إلى النبوة أقرب ممن ظهر عنه خرق العادة بهمته والأنبياء هم العبيد على أصلهم فكذلك أقطاب هذا المنزل فكلما قربت أحوالك من أحوال الأنبياء عليهم السلام كنت في العبودة أمكن وكانت لك الحجة ولم يكن للشيطان عليك سلطان كما قال تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وقال يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا فلا أثر للشيطان فيهم فكذلك من قرب منهم ولما عاينت هذا المشهد قلت القصيدة التي أولها تنزلت الأملاك ليلا على قلبي * ودارت عليه مثل دائرة القلب حذرا من إلقاء اللعين إذا يرى * نزول علوم الغيب عينا على القلب
(٢٣٦)