وإلا بقي معطل الحكم فلهذا كان سعيه هرولة وطلبه أشد لأنه لا يليق به النقص والعبد كله نقص وضعف فليس له لضعفه شدة السرعة في السعي لأنه يفتقر إلى المعين بقوله وإياك نستعين وأما إذا خرج خرج من كدى بضم الكاف والقصر وهو ما اكتسبه في حضرة الحق من الرفعة وجار في كاف التكوين وهو المقول عندنا الفعل بالهمة فلهذا رفع الكاف قال الحق لأبي يزيد اخرج إلى خلقي بصفتي فمن رآك رآني وهو ظهور صفات الربوبية عليه ألا ترى خلفاء الحق في العباد لهم الأمر والنهي والحكم والتحكم وهذه صفات الإله والسوقة مأمورة بالسمع والطاعة وأعطاه القصر في كدى ينبهه وإن كنت خرجت بصفتي فلا تحجبنك عن عبوديتك فالقصر والعجز لا يفارقك فإنك مهما فارقك ذلك قصمتك فخرج حين خرج من مكة حضرة الله لرعيته رفيعا بشرف الحضرة مشاهد العبودية بالقصر فلهذا كان يدخل من كداء ويخرج من كدى وهذا القدر في الحج كاف فإن فروعه تطول لو تقصيناها ما وفي بها العمر فما بقي الأفضل مكة والمدينة والزيارة تكون بذلك خاتمة الباب (الحديث الثاني أرض مكة خير أرض الله) خرج النسائي عن عبد الله بن عدي بن الحمراء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بالحزورة من مكة يقول لمكة إنك والله لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم القوم أقرؤهم للقرآن فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما فإن كانوا في السلم سواء فأكبرهم سنا فمن اجتمع فيه مثل هذه الخصال صح له التقدم ومن صح له التقدم كان متبوعا وكان أحق بالله من التابع والبيت المكي أول بيت وضع للناس معبدا والصلاة فيه أفضل من الصلاة فيما سواه فهو أقدمهم بالزمان وهو اعتبار السن فله تقدم السن وما يتقدم بالسن إلا من حوى جميع الفضائل كلها فإنه جاء آخرا فلو اكتفينا بهذا لكان فيه غنى عن ذكر ما سواه وإن نظرنا إلى الهجرة فإنه بيت مقصود ينبغي الهجرة إليه والحجر الأسود من جملة أحجاره وهو أقدم الأحجار هجرة من سائر الأحجار هاجر من الجنة إليه فشرفه الله باليمين وجعله للمبايعة وأما أكثرهم قرآنا فإنه أجمع للخيرات من سائر البيوت لما فيه من الآيات البينات من حجر وملتزم ومستجار ومقام إبراهيم وزمزم إلى غير ذلك وأما علمه بالسنة فإن السنن فيه أكثر لكثرة مناسكه واحتوائه على أفعال وتروك لا تكون في غيره من العبادات ولا في بيت من البيوت فإنه محل الحج وأما السلم فإنه أقدم الحرم فهو سلم كله من دخله كان آمنا فصح له التقدم من كل وجه على كل بلد وكل بيت (الحديث الثالث تحريم مكة) خرج مسلم عن أبي هريرة أن خزاعة قتلوا رجلا من بنى ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فركب راحلته فخطب فقال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين ألا وإنها لا تحل لأحد قبلي ولن تحل لأحد بعدي ألا وإنها أحلت لي ساعة من نهار ألا وإنها ساعتي هذه وهي حرام لا يخبط شوكها ولا يعضد شجرها ولا يلقط ساقطتها إلا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يعطي يعني الدية وإما أن يقاد أهل القتيل الحديث فهذا هو حمى الله وحرمه ولا موجود أعظم من الله فلا حمى ولا حرم أعظم من حرم الله ولا حماه في الإمكان فإن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس كذا قال صلى الله عليه وسلم وقال أيضا في حديث مسلم أن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة الحديث وهو قوله تعالى قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها (الحديث الرابع في منع حمل السلاح بمكة) خرج مسلم عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة لما كان السلاح عدة للخائف أو لمتوقع الخوف أو لآخذ بثار أو لمتعدي يدفع بذلك عن نفسه أن نوزع في غرضه والله تعالى قد جعله حرما آمنا فلم يكن لحمل السلاح فيه معنى
(٧٥٧)