(بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الثامن والثلاثون في معرفة من اطلع على المقام المحمدي ولم ينله من الأقطاب) بين النبوة والولاية فارق * لكن لها الشرف الأتم الأعظم يعنو لها الفلك المحيط بسره * وكذلك القلم العلي الأفخم إن النبوة والرسالة كانتا * وقد انتهت ولها السبيل الأقوم * وأقام بيتا للولاية محكما * في ذاته فله البقاء الأدوم لا تطلبنه نهاية يسعى لها * فيكون عند بلوغه يتهدم صفة الدوام لذاته نفسية * فهو الولي فقهره متحكم يأوي إليه نبيه ورسوله * والعالم الأعلى ومن هو أقدم ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي الحديث بكماله فهذا الحديث من أشد ما جرعت الأولياء مرارته فإنه قاطع للوصلة بين الإنسان وبين عبوديته وإذا انقطعت الوصلة بين الإنسان وبين عبوديته من أكمل الوجوه انقطعت الوصلة بين الإنسان وبين الله فإن العبد على قدر ما يخرج به عن عبوديته ينقصه من تقريبه من سيده لأنه يزاحمه في أسمائه وأقل المزاحمة الاسمية فأبقى علينا اسم الولي وهو من أسمائه سبحانه وكان هذا الاسم قد نزعه من رسوله وخلع عليه وسماه بالعبد والرسول ولا يليق بالله أن يسمى بالرسول فهذا الاسم من خصائص العبودية التي لا تصح أن تكون للرب وسبب إطلاق هذا الاسم وجود الرسالة والرسالة قد انقطعت فارتفع حكم هذا الاسم بارتفاعها من حيث نسبتها بها من الله ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في أمته من يجرع مثل هذا الكأس وعلم ما يطرأ عليهم في نفوسهم من الألم لذلك رحمهم فجعل لهم نصيبا ليكونوا بذلك عبيد العبيد فقال للصحابة ليبلغ الشاهد الغائب فأمرهم بالتبليغ كما أمره الله بالتبليغ لينطلق عليهم أسماء الرسل التي هي مخصوصة بالعبيد وقال صلى الله عليه وسلم رحم الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها يعني حرفا حرفا وهذا لا يكون إلا لمن بلغ الوحي من قرآن أو سنة بلفظه الذي جاء به وهذا لا يكون إلا لنقلة الوحي من المقرئين والمحدثين ليس للفقهاء ولا لمن نقل الحديث على المعنى كما يراه سفيان الثوري وغيره نصيب ولا حظ فيه فإن الناقل على المعنى إنما نقل إلينا فهمه في ذلك الحديث النبوي ومن نقل إلينا فهمه فإنما هو رسول نفسه ولا يحشر يوم القيامة فيمن بلغ الوحي كما سمعه وأدى الرسالة كما يحشر المقرئ والمحدث الناقل لفظ الرسول عينه في صف الرسل عليهم السلام فالصحابة إذا نقلوا الوحي على لفظه فهم رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون رسل الصحابة وهكذا الأمر جيلا بعد جيل إلى يوم القيامة فإن شئنا قلنا في المبلغ إلينا أنه رسول الله وإن شئنا أضفناه لمن بلغ عنه وإنما جوزنا حذف الوسائط لأن رسول الله كان يخبره جبريل عليه السلام وملك من الملائكة ولا نقول فيه رسول جبريل وإنما نقول فيه رسول الله كما قال الله تعالى محمد رسول الله والذين معه وقال عز وجل ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله مع قوله نزل به الروح الأمين على قلبك ومع هذا فما أضافه الله إلا إلى نفسه فهذا القدر بقي لهم من العبودية وهو خير عظيم أمتن به عليهم ومهما لم ينقله الشخص بسنده متصلا غير منقطع فليس له هذا المقام ولا شم له رائحة وكان من الأولياء المزاحمين الحق في الاسم الولي فنقصه من عبوديته بقدر هذا الاسم فلهذا اسم المحدث بفتح الدال أولى به من اسم الولي فإن مقام الرسالة لا يناله أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بقدر ما بيناه فهو الذي أبقاه الحق تعالى علينا ومن هنا تعرف مقام شرف العبودية وشرف المحدثين نقلة الوحي بالرواية ولهذا اشتد علينا غلق هذا الباب وعلمنا إن الله قد طردنا من حال العبودية الاختصاصية التي كان ينبغي لنا أن نكون عليها وأما النبوة فقد بينا هالك فيما تقدم في باب معرفة الأفراد وهم أصحاب الركاب ثم إنه تعالى من باب طردنا من العبودة ومقامها قال تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ومن نحن حتى
(٢٢٩)