عليه وسلم نور إني أراه فجعل الصبر الذي هو الصوم والحج ضياء أي يكشف به إذا كنت متلبسا به ما تعطيه حقيقة الضوء من إدراك الأشياء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى إنه قال كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به وقال صلى الله عليه وسلم لرجل عليك بالصوم فإنه لا مثل له وقال تعالى ليس كمثله شئ فالصوم صفة صمدانية وهو التنزه عن التغذي وحقيقة المخلوق التغذي فلما أراد العبد أن يتصف مما ليس من حقيقته أن يتصف به وكان اتصافه به شرعا لقوله تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم قال الله له الصوم لي لا لك أي أنا هو الذي لا ينبغي لي أن أطعم وأشرب وإذا كان بهذه المثابة وكان سبب دخولك فيه كوني شرعته لك فإنا أجزي به كأنه يقول وأنا جزاؤه لأن صفة التنزه عن الطعام والشراب تطلبني وقد تلبست بها وما هي حقيقتك وما هي لك وأنت متصف بها في حال صومك فهي تدخلك علي فإن الصبر حبس النفس وقد حبستها بأمري عما تعطيه حقيقتها من الطعام والشراب فلهذا قال للصائم فرحتان فرحة عند فطره وتلك الفرحة لروحه الحيواني لا غير وفرحة عند لقاء ربه وتلك الفرحة لنفسه الناطقة أي لطيفته الربانية فأورثه الصوم لقاء الله وهو المشاهدة فكان الصوم أتم من الصلاة لأنه أنتج لقاء الله ومشاهدته والصلاة مناجاة لا مشاهدة والحجاب يصحبها فإن الله يقول وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب وكذلك كلم الله موسى ولذلك طلب الرؤية فقرن الكلام بالحجاب والمناجاة مكالمة يقول الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل يقول العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله حمدني عبدي والصوم لا ينقسم فهو لله لا للعبد أجره من حيث ما هو لله وهنا سر شريف فقلنا إن المشاهدة والمناجاة لا يجتمعان فإن المشاهدة للبهت والكلام للفهم فأنت في حال الكلام مع ما يتكلم به لا مع المتكلم أي شئ كان فافهم القرآن تفهم الفرقان فبهذا قد حصل لك الفرق بين الصلاة والصوم والصدقة وأما قولنا إن الله جزاء الصائم للقائه ربه في الفرح به الذي قرنه به فسر ذلك في قوله في سورة يوسف من وجد في رحله فهو جزاؤه وأما الحج فلما فيه من الصبر وهو حبس الإنسان نفسه عن النكاح ولبس المخيط والصفرة كما حبس الإنسان نفسه عن الطعام في الصوم والشراب والنكاح ولما لم يعم الحج مسك الإنسان نفسه عن الطعام والشراب إلا عن النكاح والغيبة لذلك تأخر في القواعد التي بنى الإسلام عليها فكان حكمه حكم للصائم والمصلي حال صومه وصلاته في التنزه عن مباشرة السكن وذلك التنزه يقول الله هو لي لا لك حيث كان ولما كان النكاح سببا لظهور المولدات من ذلك أعطاه الله إذ تركه من أجله بدله كن في الآخرة ولأوليائه في الدنيا بسم الله لمن أراد الله أن يظهر على يده أثرا فيقول العبد في الآخرة للشئ يريده كن فيكون ذلك الشئ وليس قوله إلا من كونه حاجا أو صائما ولهذا شرك بين الحج والصوم في لفظة الصبر فقال والصبر ضياء هذا وإن لم يكن فيه صوم واجب فإن ترك الطعام فيه لشغله بالدعاء في ذلك اليوم من الظهر وهو السنة في ذلك اليوم في ذلك الموضع للحاج خاصة فالمشتغل فيه لا شك أن الجوع جوع العادة يلزمه والطائفة تسمى الجوع في الموتات الأربعة الموت الأبيض وهو مناسب للضياء فإن لأهل الله أربع موتات موت أبيض وهو الجوع وموت أحمر وهو مخالفة النفس في هواها وموت أخضر وهو طرح الرقاع في اللباس بعضها على بعض وموت أسود وهو تحمل أذى الخلق بل مطلق الأذى وإنما سميت لبس المرقعات موتا أخضر لأن حالته حالة الأرض في اختلاف النبات فيه والأزهار فأشبه اختلاف الرقاع وأما الموت الأسود لاحتمال الأذى فإن في ذلك غم النفس والغم ظلمة النفس والظلمة تشبه في الألوان السواد والموت الأحمر مخالفة النفس شبيه بحمرة الدم فإنه من خالف هواه فقد ذبح نفسه وسيأتي إن شاء الله في هذا الكتاب أبواب مفردات في شهادة التوحيد والصلاة والزكاة والصوم والحج وهي قواعد الإسلام التي بنى عليها ومن أراد أن يعرف من أسرار الصلاة شيئا وما تنتج كل صلاة من المعارف وما لها من الأرواح النبوية والحركات الفلكية فلينظر في كتابنا المسمى بالتنزلات الموصلية وهذا القدر في هذا الباب كاف في المقصود ولنذكر بعض أسرار من المعارف كما ترجمنا عليه بطريق الإيجاز (فصل) بل وصل سر إلهي قالت الملائكة وما منا إلا له مقام معلوم وهكذا كل موجود ما عدا الثقلين وإن كان
(٢٥٨)