في عالم المفارقة وأنت من عالم حاله المفارقة لأنك آفاقي تعين عليك أن يكون آخر عهدك الطواف بالبيت (فصل في كفارة التمتع) قال تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى لا خلاف في وجوبها واختلفوا في الواجب فجماعة العلماء على أن ما استيسر من الهدى شاة وقال ابن عمر إن اسم الهدى لا ينطلق الأعلى الإبل والبقر وإن معنى قوله تعالى فما استيسر من الهدى بقرة أدون من بقرة أو بدنة أدون من بدنة والذي أقول به لو أهدى دجاجة أجزأه وأجمعوا على إن هذه الكفارة على الترتيب فلا يكون الصيام إلا بعد أن لا يجد هديا واختلف العلماء في حد الزمان الذي ينتقل بانقضائه فرضه من الهدى إلى الصيام فقائل إذا شرع في الصيام فقد انتقل واجبة إلى الصوم وإن وجد الهدى في أثناء الصوم ومن قائل إن وجد الهدى في صوم الثلاثة الأيام لزمه وإن وجده في السبعة لم يلزمه وبالأول أقول وأما صيام الثلاثة الأيام في الحج فاختلفوا فيمن صامها في أيام عمل العمرة أو صامها في أيام منى فأجازها بعضهم في أيام منى ومنعه آخرون وقالوا إذا فاتته الأيام الأول وجب الهدى في ذمته ومنعه مالك قبل الشروع في عمل الحج وأجازه أبو حنيفة عندنا يصوم الثلاثة الأيام ما لم ينقض شهر ذي الحجة وأما السبعة الأيام فاتفقوا على أنه إن صامها في أهله أجزأه واختلفوا إذا صامها في الطريق فقائل يجزيه وبه أقول وقائل لا يجزيه الهدى أولى في المناسبة في كفارة المتمتع فإنه بدل من تمتعه وبالهدي يتمتع من تصدق عليه منه والصوم نقيض التمتع وأما مناسبة الصوم فيه فلأنه تمتع بالإحلال فجوزي بنقيض التمتع وهو الصوم فرجح الحق في هذه الكفارة التمتع بالهدي في حق من تصدق عليه به فإذا لم يجد حينئذ قوبل بنقيض التمتع وهو الصوم انتهى الجزء الثالث والسبعون (بسم الله الرحمن الرحيم) (أحاديث مكة والمدينة شرفهما الله) (الحديث الأول في دخول مكة والخروج منها على الاقتداء بالسنة) خرج مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة دخل من الثنية العلياء ويخرج من الثنية السفلي الثنية العلياء تسمى كداء بالمد والفتح والهمزة والثنية السفلي تسمى كدى بالضم والقصر لما كانت مكة أشرف بقاع الأرض وموطنا لظهور يمين الحق وحضرة المبايعة أشبهت كثيب المسك الأبيض في جنة عدن موطن الزور الأعظم والرؤية العامة والكثيب أشرف مكان في جنة عدن وعدن أشرف الجنان لأنها قصبة الجنة والقصبة حيث تكون دار الملك وهي دار تورث من قصدها الإمداد الإلهي والفتح في العلم الإلهي الذي تعطيه المشاهدة فلهذا شرع الدخول إلى مكة من كداء بفتح الكاف للفتح الإلهي في كاف التكوين من قوله كن والمد للامداد الإلهي بالعطاء من العلم به الذي هو أشرف هبة يعطيها من قصده والمد في هذه الألفاظ زيادة ومكة موضع المزيد في كل خير لأنه فرع عن الأصل لأن الأصل في الكون الفقر والقصور والعجز ولهذا يجوز في ضرورة الشعر قصر الممدود لأنه رجوع إلى الأصل ولا يجوز له مد المقصور لأنه خروج عن الأصل فلا يخرج إلا بموجب وما هو ثم فإن الموجب للمد المزاد في الحرف من الكلمة إنما هو الهمزة أولا كآمن وآخرا كجاء أو الحرف المشدد مثل الطامة والصاخة والدابة والتشديد هو تضعيف الحرف والتضعيف زيادة لأنه دخول حرف في حرف وهو الإدغام فهو ظهور عبد بصفة رب فكان له المزيد وأخذ المد إذ لم يكن له ذلك بالأصل وكذلك ظهور رب بصفة عبد في تنزل إلهي فهو من باب الإدغام تشريف للعبد من الله وكل لنفسه سعى فأما السعي في حق العبد فمعلوم محقق لافتقاره وأما الهرولة في السعي المنسوبة إلى الله فصفة تطلب الشدة في الطلب أكثر من طلب الساعي بغير صفة الهرولة فدل على إن الطلب هناك أشد لأجل تعطيل حكم ما تقتضيه الأسماء الإلهية ولهذا يقول في تجليه هل من نائب فأتوب عليه فهو سؤال من الاسم التواب هل من داع فأجيبه فهذا لسان الاسم المجيب هل من مستغفر فاغفر له هذا لسان الاسم الغفور لأنه إن لم يكن في الكون من يستدعي هذا الاسم
(٧٥٦)