خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وذلك لما قال له عز وجل وثيابك فطهر فجاء في دعائه بلفظ الثوب أعلاما للحق لقوله حتى تعلم وهذا غاية الأدب حيث يترك علمه لإيمانه أي ما دعوتك إلا بما أمرتني به أن أفعله من تطهير الثوب لمناجاتك فلتكن أنت يا رب المتولي لذلك التطهير فإنه لا حول لي ولا قوة إلا بك وكل وصف لا يليق بجلالك فهو خطية من تخطيت وهو أن يتجاوز العبد حده فيخطو في غير محله ويجول في غير ميدانه فهو كالماشي في الأرض المغصوبة فإذا خطأ العبد في غير ما أمره به سيده سمي مخطئا وخاطئا وسميت تلك الفعلة والحركة خطيئة فالعبد عبد والرب رب (وصل لبقية الدعاء) ثم يقول اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد أي تول أنت سبحانك غسل خطاياي فأضاف الغسل إليه يقول فإنك قد شرعت لي أن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله وشرعت لي أن أقول إذا قلت إياك نعبد أقول وإياك نستعين أي على عبادتك فإن لم تتولني بقوتك ومعونتك فيما أمرتني به من تطهير ذاتي لمناجاتك فكيف أناجيك في حالة جعلتها دنسا وأنت القائل وجعلنا من الماء كل شئ حي فاغسل خطاياي بالماء أي أحي قلبي بأن تبدل سيئاته حسنات بالتوبة والعمل الصالح فهذه الحياة هنا على هذا الحال بورود الماء على النجاسة والدنس تطهير أي ما كان دنسا صار نقيا وما كان نجسا صار طاهرا فإن دنسه ونجاسته لم تكن لذاته وإنما كان بحكم شرعي انفرد به هذا الموطن فلما اجتمع بالماء لورود الماء عليه كان للاجتماع حكم آخر سمي به نقاء وطهارة فعاد القبيح حسنا والسيئة حسنة فمثل هذا الفعل هو المطلوب لا إزالة العين بل إزالة الحكم فإن العين موجودة في الجمع بينها وبين الماء وقوله والثلج يقال في الرجل إذا سر قلبه بأمر ما ثلج فؤاد الرجل أي هو في أمر يسر به فيقول يا رب إنك إذا فعلت مثل هذا الغسل سر قلبي حيث تطهر لما يرضيك بما يرضيك فينقلب غمه سرورا وقوله والبرد هو ما ينطفي من جمرة الاحتراق الذي قام بالقلب من كونه حين دعاه ربه لمناجاته على حالة لا يصلح أن يقف بها بين يدي ربه فيحب ما يطفي تلك النار فجاء بلفظ البرد من البرد وفي رواية بالماء البارد فهو المستعمل في كلام العرب كذا رويناه عنهم قال شاعرهم وعطل قلوصى في الركاب فإنها * ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا يقول إن من الناس من كان في نفسه من حياتي حرقة ونار حسدا وعداوة إذا رأوا قلوصى معطلة عرفوا بموتي فبرد عنهم ما كانوا يجدونه بحياتي من النار وأبكت أوليائي الذين كانوا يحبون حياتي فانتقلت صفات هؤلاء إلى هؤلاء وهؤلاء إلى هؤلاء كما انتقل ذل الأولياء وتعبهم ونصبهم ومكابدتهم وكدهم في الدنيا في طاعة ربهم إلى الأشقياء من الجبابرة في النار وانتقل سرور الجبابرة وراحة أهل الثروة في الدنيا إلى أهل السعادة أهل الجنة في الآخرة فالذي ذكر هذا الشاعر في شعره هي حالة كل موجود إذ كل موجود لا بد له من عدو وولي قال تعالى لا تتخذوا عدوي وعدوكم فجعلهم أعداء له كما قال في جزائه إياهم ذلك جزاء أعداء الله فإذا كان لله أعداء فكيف بأجناس العالم وكذلك الولاية لله أولياء ولكل موجود فالعالم بالله المشغول به من يقول ما ثم إلا الله وأنا فيفني الكل في جناب الحق وهو الأولى وهو الولي حقا إذ كانت هذه الحالة سارية حقا وخلقا فإن الله عدو للكافرين كما هو ولي للمؤمنين فهم عبيده أعداؤه فكيف حال عبيده بعضهم مع بعض بما فيهم من التنافس والتحاسد فإذا سأل العارف من الله هذا التطهير بعد تكبيرة الإحرام عند ذلك يشرع في التوجيه (وصل متمم لأكمل صلاة في التوجيه) وإنما ذكرنا هذا لأن العالم بالله يعمد إلى أكمل الصلوات عند الله في حالاتها من أقوال وأفعال وإن لم يكن بطريق الوجوب ولكن أولياء الله أولى بصورة الكمال في العبادات لأنهم يناجون من له الكمال المحقق بما يجب له فإن ذلك واجب عليهم أوجبته معرفتهم وشهودهم ابتداء التوجيه فيقول العبد وجهت وجهي فأضاف العبد الوجه إلى نفسه عن شرع ربه له فيه أدبا مع الله بحضوره مع الحق في أنه لسانه الذي يتكلم به ودعاه إلى هذه الإضافة قوله تعالى بيني وبين عبدي فأثبته وإنما هو بالحقيقة مضاف إلى سيده فإن العبد الأديب العارف هو وجه سيده إذ لا ينبغي أن يضاف إلى العبد شئ فهو المضاف ولا يضاف إليه فإذا أضاف السيد نفسه إليه فهو على جهة التشريف والتعريف مثل قوله وإلهكم ومثل ذلك وأضاف فعل التوجيه إلى نفسه لعلمه أن الله قد أضاف العمل إلى العبد فقال يقول العبد الحمد لله والقول عمل من الأعمال فالعالم لا يزال أبدا يجري مع الحق على
(٤١٧)