لله من قبل ومن بعد فجاء مبنيا غير مضاف لعدم تقييده عز وجل بالقبل والبعد فهذا الذي ليوم عرفة ليس لغيره من الأزمان فقد تميز على جنسه وإن كان ثم أعمال هي أقوى منه في العمل ولكن ليست زمانية أي ما هي لعين الزمان غاية عاشوراء أن يكفر السنة التي قبله فتعلقه بالواقع وعرفة تعلقه بالواقع وغير الواقع فعاشوراء رافع وعرفة رافع ودافع فجمع بين الرفع والدفع فناسب الحق فإن الحق يتعلق بالموجود حفظا وبالمعدوم إيجادا فكثرت المناسبة بين يوم عرفة وبين الأسماء الإلهية فترجح صومه في غير عرفة وإن كان له هذا الحكم في عرفة إلا إن فطره أعلى في عرفة من صومه لما قلنا وفي الحكم الظاهر للاتباع والاقتداء قال في الاتباع فاتبعوني يحببكم الله وقال في الاقتداء لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وأفطر في هذا اليوم في عرفة وإنما اختلف علماء الرسوم في صومه في عرفة لا في غيرها لمظنة المشقة فيها والضعف عن الدعاء غالبا والدعاء في هذا اليوم هو المطلوب من الحاج فإن أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة كالمسافر في رمضان في فطره فمن العلماء من اختار الفطر فيه للحاج وصيامه لغير الحاج للجمع بين الأثرين وقد قدمنا في أول الفصل الخبر المروي الصحيح في صيامه فنذكر إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمه بعرفة رحمة بالناس الذين تدركهم المشقة في صيامه كذا توهم علماء الرسوم والأمر على ما قلناه فإنه كان قادرا على صومه في نفسه وينهى أمته عن صيامه بعرفة ومثل هذا وقع في الشرع كنكاح الهبة فهو له خاصة وهو حرام على الأمة بلا خلاف وكالوصال وإن جاز فعلى كراهة خرج مسلم عن أم الفضل أن الناس تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه قال تعالى وما أرسلنا ك إلا رحمة للعالمين فالرحمة هنا عندنا إن أعلمهم أن الفطر في يوم عرفة في عرفة هي السنة وعند علماء الرسوم طلب الرفق والحجة لنا في قوله خذوا عني مناسككم فمنها عدم الصوم في ذلك الموضع في ذلك اليوم والأمر لا يتوقف في الأخذ به إذا ورد معرى عما يخرجه عن الأخذ به وأما حديث النهي عن صيام يوم عرفة في عرفة ففي إسناده مهدي بن حرب الهجري وليس بمعروف خرجه النسائي من حديثه عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة بعرفة وأما حديث الترمذي عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب قال أبو عيسى حديث عقبة حديث حسن صحيح فكأنه يشير بهذا القول إلى ما قلناه ويشير إلى مقام المعرفة والعارف فإن مقام المعرفة لا يعطي الصوم إذ يعرف العارف الصوم لمن هو فكان يوم عيده يوم حصوله في هذا المقام وأيام العيد أيام سرور فأراد إن يسرى السرور ظاهرا وباطنا في النفس الناطقة بترك الصوم وفي الحيوانية بالأكل والشرب فجمع بين السرورين ولم يتعرض لتحريم الصوم في هذا الحديث ولكن قرنه بالصوم المحرم وهو يوم النحر وبالصوم المكروه وهو صوم أيام التشريق وأنه صلى الله عليه وسلم رجح الأكل والشرب فيه في الظاهر ولم يتعرض للنهي عن ذلك وحرمنا صيام يوم عيد الأضحى بخبر غير هذا سأورده إن شاء الله ثم قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر أهل الإسلام ولم يقل أهل الايمان دل على مراعاة الظاهر هنا ولهذا قلنا إنه راعى النفس الحيوانية التي سرورها بالأكل والشرب في يوم عيدها فاعلم ذلك (وصل في فصل صيام الستة من شوال) قد تقدم ذكر الخلاف في وقتها وفي هذا الخبر عندي نظر لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يثبت الهاء في العدد أعني في الستة فقال وأتبعه ستا من شوال وهو عربي والأيام مذكرة والصوم لا يكون إلا في اليوم وهو النهار فلا بد من إثبات الهاء فيه فهذا سبب كون الحديث منكر المتن مع صحة طريق الخبر فيترجح عندي أنه اعتبر في ذلك الوصال فوصل صوم النهار بصوم الليل والليلة مقدمة على النهار لأن النهار مسلوخ منها أو تكون لغة شاذة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس كان فيه من هذه لغته ومع هذا فمن استطاع الوصال في هذه الأيام الستة فهو أولى عملا بظاهر لفظ الخبر والوصال لم يقع النهي عنه نهي تحريم وإنما راعى الشفقة والرحمة في ذلك بظاهر الناس لئلا يتكلفوا
(٦٣٧)