الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله قلت فيما بيني وبين نفسي فأين ذعار طي الذين قد سعروا البلاد ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم القيامة وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فيقول له ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك فيقول بلي فيقول ألم أعطك مالا وأفضل عليك فيقول بلي فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم قال عدي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة الحديث أما قوله لا تخاف أحدا إلا الله فهو الخوف الأعظم فإنه هو المسلط وبيده ملكوت كل شئ فأين الأمان فهذا تنبيه إدبارنا فإن الشخص الذي يكون في مثل هذه الحال هو في أمان في دنياه وفي ماله وعلى نفسه ممن يؤذيه وهذا مقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم والله هو الذي رزقه الأمان في تلك الحال فيخاف من الله مما في غيبه مما لا يعلمه ولا يعلم أوانه ولو كان هذا الخائف يخاف الله مطلقا لتعلق خوفه على دينه فإن سبيل الشيطان إلى قلبه ليست آمنة كما أمنت السبيل الظاهرة التي تمر فيها السفار من الناس وإذا خاف الله شغله خوفه عن ماله ونفسه ولو لم تكن السبيل آمنة لكان هذا الخائف في أمان فإنه لا يخطر له خاطر إلا في دينه الذي يخاف عليه أن يسلبه حتى أنه لو أصيب في طريقه بتلف مال أو نفس لوقوع لصوص عليه ربما فرح بذلك واستبشر لما له فيه من الأجر الجزيل المدخر والكفارات وكان حكمه حكم تاجر باع بنسيئة بربح كثير فما أحسن تشبيه النبوة بقوله لا تخاف أحدا إلا الله فأين الأمان وهو صلى الله عليه وسلم ما ذكر ذلك لعدي إلا في إن الأمان المعتاد حاصل في ذلك الوقت لما شكا الرجل من قطع السبيل ولكن أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمان الخوف من الله لأولي الألباب والنهي ليعم الخطاب العامة بالأمان والخاصة بالخوف فهو تبين أحوال خاصة الله أي كونوا على مثل هذه الحالة في أمنكم خائفين من الله تعالى وهذا من جوامع الكلم لمن نظر واستبصر (وصل في فصل الصدقة على الأقرب فالأقرب ومراعاة الجوار في ذلك) أقرب أهل الشخص إليه نفسه فإن الله يقول في قربه من عبده إنه أقرب إليه من حبل الوريد فكأنه يقول إنه أقرب إليه من نفسه فهي أولى بما يتصدق به من غيرها كما إن الله أولى بالقرض لأنه أقرب إليه من نفسه ولكل متصدق عليه صدقة تليق به من المخلوقين ثم جوارحه ثم الأقرب إليه بعد ذلك وهو الأهل ثم الولد ثم الخادم ثم الرحم والجار كما يتصدق على تلميذه وطالب الفائدة منه وإذا تحقق العارف بربه حتى كان كله نورا وكان الحق سمعه وبصره وجميع قواه كان حقا كله فمن كان أهل الله فإنه أهل هذا الشخص الذي هذه صفته بلا شك كما هم أهل القرآن أهل الله وخاصته كذلك من هم أهل الله وخاصته هم أهل هذا الذي ذكرناه فإنه حق كله كما قال صلى الله عليه وسلم في دعائه واجعلني نورا لما رأى الحق سمي نفسه نورا فإنه نائب الله في عباده فالمتصدق على أهل الله هو المتصدق على أهله إذا كان المتصدق بهذه المثابة كنت يوما عند شيخنا أبي العباس العربي بإشبيلية جالسا وأردنا أو أراد أحدا عطاء معروف فقال شخص من الجماعة للذي يريد أن يتصدق الأقربون أولى بالمعروف فقال الشيخ من فوره متصلا بكلام القائل إلى الله فيا بردها على الكبد ووالله ما سمعتها في تلك الحالة إلا من الله حتى خيل لي أنها كذا نزلت في القرآن مما تحققت بها وأشر بها قلبي وكذا جميع من حضر فلا ينبغي أن يأكل نعم الله إلا أهل الله ولهم خلقت ويأكلها غيرهم بحكم التبعية فهم المقصودون بالنعم ومن عداهم كما قلنا إنما يأكلها تبعا بالمجموع ومن حيث التفصيل فما منه جوهر فرد ولا فيه عرض إلا وهو يسبح الله فهو من أهل الله فما من العالم من هو خارج عن هذه الأهلية العامة وما فاز الخاصة إلا بالاطلاع على هذا كشفا وهذه المسألة في طريق الله من أغمض المسائل إذ لبس المجموع سوى هذه الأجزاء فالأبعاض عين الكل فكل جزء وبعض طائع وليس الكل ولا المجموع بهذه الصفة لكنه طائع بطاعة أحدية الجمع وهي طاعة متميزة عن طاعة مفردات هذا المجموع وقد ورد في خبر في النفقة على الأهل المعلوم في الظاهر المقرر وفضلها ما يكون هذا اعتباره وهو ما خرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله
(٥٧٤)