الخطبة أم لا وهل كسوف القمر في ذلك مثل كسوف الشمس الخلاف في صفتها وردت فيها روايات مختلفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين ثابت وغير ثابت وما من رواية إلا وبها قائل فأي شخص صلاها على أي رواية كانت جاز له ذلك فإنه مخير في عشر ركعات في ركعتين وبين ثمان ركعات في ركعتين وبين ست ركعات في ركعتين وبين أربع ركعات في ركعتين وإن شاء صلى ركعتين ركعتين على العادة في النوافل حتى تنجلي الشمس وإن شاء دعا الله تعالى بتضرع وخشوع حتى تنجلي فإذا انجلت صلى ركعتين شكرا لله تعالى وانصرف والعمل على هذه الرواية أحب إلي لما فيها من احترام الجناب الإلهي والرحمة بالأمة المصلين لها فإنهم لاستيلاء الغفلات والبطالة عليهم لا يفون بشروط ما تستحقه الصلاة من الحضور والآداب فربما يمقت المصلي ولا يشعر أو تثقل عليه تلك العبارة فيتبرم منها فلذلك جعلنا رواية الدعاء من غير صلاة أولى فإنه في حقهم أحوط وكان العلاء بن زياد يصلي لها فإذا رفع رأسه من الركوع نظر إليها فإن كانت انجلت سجد وإن لم تكن انجلت مضى في قيامه إلى أن يركع ثانيا فإذا رفع رأسه من الركوع نظر إلى الشمس فإن انجلت سجد وإلا مضى في قيامه حتى يركع هكذا حتى تنجلي (وصل الاعتبار) الكسوف آية من آيات الله يخوف الله به عباده فإذا وقع فالسنة أن يفزع الناس إلى الصلاة كسائر الآيات المخوفات مثل الزلازل وشدة الظلمة واشتداد الريح على غير المعتاد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكسوف فقال إذا تجلى الله لشئ خشع له كل شئ والحديث غير ثابت من طريق الرواية صحيح المعنى وعندنا إن التجلي لا زال دائما وإنما جهل الناس به أداهم إلى أن يقولوا أو يقال لهم مثل هذا العدم علمهم فخرق العادة إنما هو في أن يعلم خاصة كما كان خرق العادة في إسماع السامعين تسبيح الحصى وما زال الحصى مسبحا ولا شك أن النفوس ما تنبعث وتهتز إلا للآيات الخارقة للعادة والآيات الإلهية منها معتاد وغير معتاد والقرآن قد ورد في الآيات المعتادة كثير في قوله ومن آياته ومن آياته ويذكر أمورا معتادة ثم يقول إن في ذلك لآيات ولكن لا ترفع العامة بها رأسا لجري العادة واستيلاء الغفلة وعدم الحضور وسبب كسوف الشمس والقمر معروف والذي لا يعرف كونه عن تجلى إلهي إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم أو عارف صاحب كشف وقد جعل الله الكسوف آية على ما يريد أن يحدثه من الكوائن في العالم العنصري و في العالم الذي يظهر فيه الكسوف وفي الزمان فإنه قد يكسف ليلا فلا أثر له عندنا ويكون الحدث أيضا بحسب البرج الذي يقع الكسوف فيه وهو علم قطعي أعني علم وقوع الكسوف لا علم ما يحدث الله فيه أو عنده ويكون الكسوف في مكان أكثر منه في مكان آخر وفي مكان دون مكان ويبتدئ في مكان وفي مكان آخر ما ابتدأ بل هو على حاله وهذا كله يعرفه العلماء به فإنه راجع إلى حركات معلومة معدودة عند أهل هذا الشأن وسبب كسوف الشمس من القمر إذا كان في مسامتتها فعلى قدر ما يسامتها منه يغيب منها عن أبصارنا فذلك الظل الذي نراه في الشمس هو من جرم القمر وقد يحجبها كلها فيظلم الجو فيقع الأبصار على جرم القمر فتتخيل العامة أن ذلك المرئي هو ذات الشمس والشمس نيرة في ذاتها على عادتها إلى أن يشاء الله تكويرها ولذلك يعرف زمان كسوفها ومقداره عند العارفين بتسيير الكواكب ولا يكون أبدا إلا في آخر الشهر العربي فإن القمر في ذلك الزمان يكون في المحاق والاحتراق تحت الشعاع فإن أعطى الحساب ما يؤدي إلى المسامتة عندنا وقع الكسوف بلا شك وكذلك كسوف القمر إنما هو أن يحول ظل الأرض بينه وبين الشمس فعلى قدر ما يحول بينهما يكون الكسوف في ذلك الموضع ولهذا يعرف والخطاء فيه قليل جدا ولو لم يكن الأمر على هذا ما علم فإن الأمور العوارض لا تعلم إلا بإعلام الله على لسان من شاء من عباده وعندنا هي عوارض لا في نفس ما رتب الله في ذلك عند ما أوحى في كل سماء أمرها والأمور الجارية على أصولها ثابتة لا تنخرم يعلمها العلوم بتلك الأصول وهي معتادة موضوعة لله تعالى واضعها ما هي عقلية ولا رسب ذلك طبيعي ولهذا يجوز خرق العادة فيها وهكذا كل موضوع إلى أن يخرم الله ذلك الأصل فلله المشيئة في ذلك وله الأمر من قبل ومن بعد ولذلك لا يقال في حكم المنجم إنه علم لأن الأصول التي يبنى عليها إنما هي عن وضع إلهي وترتيب عالم حكيم استمرت به العادة ما ذاك لذواتها وما كان بالوضع قد يمكن زواله فإن الواضع له قد يضعه إلى أجل مخصوص معين ما عندنا
(٤٩٨)