(بسم الله الرحمن الرحيم) (وصل فصول الأحاديث النبوية فيما يتعلق بهذا الباب ولا أذكرها بجملتها وإنما أذكر منها ما تمس الحاجة إليه) وبعد أن قد ذكرنا حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله فلنذكر في بقية هذا الباب ما تيسر من الأخبار النبوية فمن ذلك (حديث فضل الحج والعمرة) خرج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة فالكفارة تعطي الستر والجنة تعطي الستر غير أن ستر العمرة لا يكون إلا بين عمرتين وستر الحج لم يشترط فيه ذلك إلا أنه قيده بأنه يكون مبرورا والبر الإحسان والإحسان مشاهدة أو كالمشاهدة فإنه قال صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فصارت الجنة عن حج مقيد بصفة بر فقام البر للحج مقام العمرة الثانية للعمرة الأولى والسبب في ذلك أن التكفير والجنة نتيجة والنتيجة لا تكون عن واحد فإن ذلك لا يصح وإنما تكون عن مقدمتين فحصل التكفير عن عمرتين وحصلت الجنة عن حج مبرور أي يكون عن صاحب صفة بر فما أعجب مقاصد الشارع فالعمرة الزيارة وهي زيارات أهل السعادة لله تعالى هنا بالقلوب والأعمال وفي الدار الآخرة بالذوات والأعيان وبين الزيارتين حجب موانع بين الزائرين وبين أهليهم من أهل الجنان وفي حالة الدنيا بين المعتمرين وبين غيرهم فلا يدرك ما حصلوه في تلك الزيارة من الأسرار الإلهية والأنوار ما لو تجلى بشئ منها لإبصار من ليس لهم هذا المقام لأحرقهم وذهب بوجودهم فكان ذلك الستر رحمة بهم وقد عاينا ذلك في المعارف الإلهية مشاهدة حين زرناه بالقلوب والأعمال بمكة التي لا تصح العمرة إلا بها وأما الزيارة من غير تسميتها بالعمرة فتكون لكل زائر حيث كان وكذلك الحج فهي زيارة مخصوصة كما هو قصد مخصوص ولما فيها من الشهود الذي يكون به عمارة القلوب تسمى عمرة فهذا معنى التكفير في هذا العمل الخاص وقد يكون التكفير في غير هذا وهو أن يسترك عن الانتقام أن ينزل بك لما تلبست به من المخالفات ومن الناس من يكون له التكفير سترا من المخالفات أن تصيبه إذا توجهت عليه لتحل به لطلب النفس الشهوانية إياها فيكون معصوما بهذا الستر فلا يكون للمخالفة عليه حكم وهذان المعنيان خلاف الأول ومن الناس من يجمع ذلك كله وفي الدنيا من هذه الأحكام الثلاثة كلها وفي الآخرة اثنان خاصة وهو الستر الأول والستر أن لا يصيبه الانتقام وأما الستر عن المخالفات فلا يكون إلا في الدنيا لوجود التكليف والآخرة ليست بمحل للتكليف إلا في يوم القيامة في موطن التمييز حين يدعون إلى السجود فهو دعاء تمييز لا دعاء تكليف إلا الحديث الذي خرجه الحميدي في كتاب الموازنة ولم يثبت ولما اقترن به الأمر أشبه التكليف فجوزوا بالسجود جزاء المكلفين كما تجئ الملائكة إليهم من عند الله بالأمر والنهي وليس المراد به التكليف وهو قولهم للسعداء لا تخافوا ولا تحزنوا وهذا نهي وأبشروا بالجنة وهذا أمر وليس بتكليف كذلك إذا أمروا بالسجود إنما هو للتمييز والفرقان بين من سجد لله خالصا وسجد اتقاء ورياء وسمعة لاجتماعهم في السجود لله فلذلك وقع الشبه لأنهم ما سجدوا مخلصين له الدين كما أمروا فميز الله يوم القيامة بينهما كما ميز بين المجرمين قال تعالى وامتازوا اليوم أيها المجرمون (حديث ثان في الحث على المتابعة بين الحج والعمرة) لأن كل واحد منهما قصد زيارة بيت الله العتيق خرج النسائي عن عبد الله هو ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب دون الجنة فجعل في الأول العمرة إلى العمرة وكذلك الحج والبر وهنا جعل الحج والعمرة مقدمتين ليكون منهما أجر آخر ليس ما أعطاه الحديث الأول وهو نفي الفقر فيحال بينك وبين عبوديتك إذا جمعت بين هاتين العبادتين وما ثم إلا عبد ورب والعبد لا يتميز عن الرب إلا بالافتقار فإذا أذهب الله بفقره كساه حلة الصفة
(٧٣٣)