فافهم فما هلك امرؤ عرف قدره فقد بان لك شأن المرأة من شأن الرجل وأنهما وإن افترقا من وجه فهما يجتمعان من وجه (وصل في فصل اختلاف العلماء في المحرم إذا لم يجد غير السراويل هل له لباسها) فمن قائل لا يجوز له لباسها فإن لبسها افتدى ومن قائل يلبسها إذا لم يجد إزارا اعلم أن الإزار والرداء لما لم يكونا مخيطين لم يكونا مركبين ولهذا وصف الحق نفسه بهما لعدم التركيب إذ كان كل مركب في حكم الانفصال وهذا سبب وجوب قول القائل بأن صفات المعاني الإلهية ليست بأعيان زائدة على الذات مخافة التركيب ونزع مثبتوها زائدة إلى أن يقولوا فيها لا هي هو ولا هي غيره لما في التركيب من النقص إذ لو فرض انفصال المتصل لصح ولم يكن محالا من وجه انفصاله وإنما يستحيل ذلك إذا استحال لاتصافه بالقدم الذي هو نفي الأولية والقديم لا شك أنه يستحيل أن ينعدم بالبرهان العقلي فإذا فرضنا عدم صفات المعاني التي بوجودها يكون كمال الموصوف ظهر نقص الموصوف وإن كان فرض محال لاستحالة عدم القديم والله يقول لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وهذا بطريق فرض المحال والحق كامل الذات فاجعل بالك يقول تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فهذا إحرام إلهي فإنه ذكر ثوبين ليسا بمخيطين فالحق سبحانه المحرم من الرجال بما وصف به نفسه ولم يفعل ذلك بالمرأة ولا أيضا حجر ذلك عليها فإنها قد تكمل في ذلك كما يكمل الرجال فلو لبسته المرأة لكان أولى بها عندنا فالمحرم قد تلبس بصفة هي للحق معنوية وفي الخلق حسية هي في الحق كبرياء وعظمة وفي الخلق رداء وإزار كما تلبس الصائم بصفة هي للحق ولهذا جعل في قواعد الإسلام مجاورا له وإن كان في الحقيقة وجود العظمة والكبرياء إنما محلهما ظاهر العبد لا قلبه فقد تكون العظمة والكبرياء حال الإنسان لا صفته ولو اتصف بها هلك جهلا وإذا كانتا حالا له في موطنهما نجا وسعد وشكر له ذلك فأول درجة هذه العبادة إن ألحق المتلبس بها من عباده بربه في التنزيه عن الاتصاف بالتركيب فتلبس بالكمال في أول قدم فيها ولهذا لا نجوز نحن للمحرم أن يلبس شيئا من المخيط ولا يغطي رأسه إلا لضرورة من أذى يلحقه لا يندفع ذلك الأذى إلا بلباس ما حجر عليه وإما إن فعله لغير أذى فما تلبس بالعبادة ولا حج ولا يفدي إلا من لبس ذلك من أذى والأذى في الجناب الإلهي أن ينسب إلى التركيب لما فيه من النقص قال تعالى إن الذين يؤذون الله فوصف نفسه بأنه يؤذي وجعل له هذا الأذى الاسم الصبور فلا أحد أصبر على أذى من الله لقدرته على الأخذ عليه فلا يؤاخذ ويمهل فالعبد إذا لم يقمه الله في مقام شهود العظمة التي هي الإزار وأقيم في مقام الإدلال فانبسط على الحق وهذا موجود في الطريق وقد وردت به الأخبار النبوية في عجوز موسى وغيره لبس السراويل ستر للعورة التي هي محل السر الإلهي وستر للأذى لأنهما محل خروج الأذى أيضا فتأكد سترهما بما يناسبهما وهو السراويل والسراويل أشد في السترة للعورة من الإزار والقميص وغيره لأن الميل عن الاستقامة عيب فينبغي ستر العيب ولهذا سميت عورة لميلها فإن لها درجة السر في الإيجاد الإلهي وأنزلها الحق منزلة القلم الإلهي كما أنزل المرأة منزلة اللوح لرقم هذا القلم فلما مالت عن هذه المرتبة العظمى والمكانة الزلفى إلى أن تكون محلا لوجود الروائح الكريهة الخارجة منهما من أذى الغائط والبول وجعلت نفسها طريقا لما تخرجه القوة الدافعة من البدن سميت عورة وسترت لأنها ميل إلى عيب فالتحقت بعالم الغيب وانحجبت عن عالم الشهادة فبالسراويل لا تشهد ولا تشهد فالسراويل أستر في حقها ولكن رجح الحق الإزار لأنه خلق العبد للتشبه به لكونه خلقه على صورته (وصل في فصل لباس المحرم الخفين) فمن قائل وهو الأكثر إن المحرم يلبس الخفين إذا لم يجد النعلين وليقطعهما أسفل من الكعبين ومن قائل يلبسهما ولا يقطعهما وعلل عطاء قطعهما بأنه فساد والله لا يحب الفساد ومطلق حديث ابن عباس إن الخفين لمن لم يجد النعلين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر قطعهما وبه قال أحمد وعطاء القدم صفة إلهية وصف الحق بها نفسه وليس كمثله شئ فمن راعى التنزيه وأدركته الغيرة على الحق في نزوله لما هو من وصف العبد المخلوق قال بلباس الخف غير
(٦٨٠)