ربعين الربع الواحد العلم بصفات التنزيه والسلوب والربع الآخر المعرفة بصفات الأفعال والنسب فالحاصل بأيدينا ثلاثة أرباع المعرفة إلا والربع الواحد لا نعرفه أبدا والذي ينظر من المعرفة المناسب لما زاد على الربع من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس هو بمنزلة ما جهلنا من نسبة وصف ما وصف الحق به نفسه من صفة التشبيه فلا ندري كيف ننسب إليه مع إيماننا به وإثباتنا له هذا الحكم مع جهلنا لكن على ما يعلمه الله من ذلك فهذا في مقابلة الزائد على ربع اليوم فلهذا نقص يوم عرفة عن سائر الأيام الزمانية فتحقق صحة يوم عرفة إنه من الزوال إلى طلوع الفجر من ليلة عرفة (وصل في فصل من دفع قبل الإمام من عرفة) اختلف علماء الإسلام فيمن وقف بعرفة بعد الزوال ثم دفع منها قبل الإمام وبعد الغيبوبة فقيل أجزأه لأنه جمع بعرفة بين الليل والنهار فإن دفع قبل الغروب قيل عليه دم وقيل لا شئ عليه وحجة تام والذي أقول به إنه لا شئ عليه وأن حجه تام الأركان غير تام المناسك لأنه ترك الأفضل لا شك أنه من ترك شيئا من اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم مما لم ينفرض عليه فإنه ينقص من محبة الله إياه على قدر ما نقص من اتباع الرسول وأكذب نفسه في محبته لله لعدم إتمام الاتباع وعند أهل طريق الله لو اتبعه في جميع أموره وأخل بالاتباع في أمر واحد مما لم ينفرض عليه بل خالف سنة لاتباع في ذلك مما أبيح له الاتباع فيه أنه ما اتبعه قط وإنما اتبع هوى نفسه لا هو مع ارتفاع الأعذار الموجبة لعدم الاتباع هذا مقرر عندنا قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم قل يا محمد لأمتك إن كنتم تحبون الله فاتبعوني فجعل الاتباع دليلا وما قال في شئ دون شئ يحببكم الله والله يقول لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وهو الاتباع وقال وأوفوا بعهدي في دعواكم محبتي أوف بعهدكم وهو إني أحبكم إذا صدقتم في محبتي وجعل الدليل على صدقهم حصول محبة الله إياهم وحصول محبة الله إياهم دليل الاتباع وعلى قدر ما نقص ينقص وعند أهل الله هو أمر لا يقبل النقص وإن العذر لا ينقصه فإنه في حبس الله عن الاتباع في أمر ما فالحق ينوب عنه عندي حكاية قال أبو يزيد في هذا الباب كنت أظن في بري بأمي أني ما أقوم فيه لهوى نفسي بل لتعظيم الشريعة حيث أمرتني ببرها فكنت أجد في نفسي لذة عظيمة كنت أتخيل أن تلك اللذة من تعظيم الحق عندي لا من موافقة نفسي فقالت لي في ليلة باردة اسقني يا أبا يزيد ماء فثقل على التحرك لذلك فقلت والله ما خفف على ما كانت تكلفني فعله إلا الموافقة كان في نفسي من حيث لا أشعر فأبطل عمله وما سلم لها قال أبو يزيد فقمت بمجاهدة وجئت بالكوز إليها فوجدتها قد سارع إليها النوم ونامت فوقفت بالكوز على رأسها حتى استيقظت فناولتها الكوز وقد بقي في أذن الكوز قطعة من جلد أصبعي لشدة البرد انقرضت فتألمت الوالدة لذلك قال أبو يزيد فرجعت إلى نفسي وقلت لها حبط عملك في كونك كنت تدعين النشاط في عبادتك والاتباع إن ذلك من محبتك الله فإنه ما كلفك ولا ندبك وأوجب عليك إلا ما هو محبوب له وكل ما يأمر به المحبوب عند المحب محبوب ومما أمرك الله به يا نفسي البر بوالدتك والإحسان إليها والمحب يفرح ويبادر لما يحبه حبيبه ورأيتك قد تكاسلت وتثاقلت وصعب عليك أمر الوالدة حين طلبت الماء فقمت بكسل وكراهة فعلمت أنه كل ما نشطت فيه من أعمال البر وفعلته لا عن كسل ولا تثاقل بل عن فرح والتذاذ به إنما كان ذلك لهوى كان لك فيه لا لأجل الله إذ لو كان لله ما صعب عليك الإحسان لوالدتك وهو فعل يحبه الله منك وأمرك به وأنت تدعين حبه وأن حبه أورثك النشاط واللذة في عبادته فلم يسلم لنفسه هذا القدر وكذلك غير أبي يزيد من أهل الله كان يحافظ على الصف الأول دائما منذ سبعين سنة وهو يزعم أنه يفعل ذلك رغبة فيما رغبة الله فيه موافقة لله فاتفق له عائق عن المشي إلى الصف الأول فخطر له خاطر إن الجماعة التي تصلي في الصف الأول إذا لم يروه يقولون أين فلان فبكى وقال لنفسه خدعتني منذ سبعين سنة أتخيل أني لله وأنا في هواك وما ذا عليك إذا فقدوك فتاب وما رؤي بعد ذلك يلزم في المسجد مكانا واحدا معينا ولا مسجدا معينا فهكذا حاسب القوم نفوسهم ومن كانت حالته هذه ما يستوي مع من هو فاقد لهذه الصفة كذلك من وقف مع الإمام لأنها عبادة يشترط فيها الإمام إلى أن يدفع معه ما يستوي في الاتباع مثل من دفع قبله
(٧١٧)