والقلم الأرفع في لوحه * سطر عنه وصفك الزاكي فأنت عين الكل لا عينه * أدناك من وجه وأقصاك إياك أن ترضى بما ترتضي * من أجل ما يرضيك إياك كوني على أصلك في كل ما * يريد لا تنسى فينساك هذا هو العلم الذي جاءني * من قائل ليس بأفاك أنزله عن أمر علامة * ما بين زهاد ونساك والحمد لله الذي خصني * بعلم أضواء وأحلاك وخصني بصورة لم يكن * كمالها إلا بإيواك اعلم أيدك الله أن الصوم هو الإمساك والرفعة يقال صام النهار إذا ارتفع قال امرؤ القيس إذا صام النهار وهجرا أي ارتفع ولما ارتفع الصوم عن سائر العبادات كلها في الدرجة سمي صوما ورفعه سبحانه بنفي المثلية عنه في العبادات كما سنذكره وسلبه عن عباده مع تعبدهم به وأضافه إليه سبحانه وجعل جزاء من اتصف به بيده من إنايته وألحقه بنفسه في نفي المثلية وهو في الحقيقة ترك لا عمل ونفي المثلية نعت سلبي فتقوت المناسبة بينه وبين الله قال تعالى في حق نفسه ليس كمثله شئ فنفى أن يكون له مثل فهو سبحانه لا مثل له بالدلالة العقلية والشرعية وخرج النسائي عن أبي أمامة قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت مرني بأمر آخذه عنك قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له فنفى أن يماثله عبادة من العبادات التي شرع لعباده ومن عرف أنه وصف سلبي إذ هو ترك المفطرات علم قطعا أنه لا مثل له إذ لا عين له تتصف بالوجود الذي يعقل ولهذا قال الله تعالى الصوم لي فهو على الحقيقة لا عبادة ولا عمل واسم العمل إذا أطلق عليه فيه تجوز كإطلاق لفظة الموجود على الحق المعقول عندنا تجوزا إذ من كان وجوده عين ذاته لا تشبه نسبة الوجود إليه نسبة الوجود إلينا فإنه ليس كمثله شئ (إيراد حديث نبوي إلهي) خرج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يسخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه عز وجل فرح بصومه واعلم أنه لما نفى المثلية عن الصوم كما ثبت فيما تقدم من حديث النسائي والحق ليس كمثله شئ لقي الصائم ربه عز وجل يوصف ليس كمثله شئ فرآه به فكان هو الرائي المرئي فلهذا قال صلى الله عليه وسلم فرح بصومه ولم يقل فرح بلقاء ربه فإن الفرح لا يفرح بنفسه بل يفرح به ومن كان الحق بصره عند رؤيته ومشاهدته فما رأى نفسه إلا برؤيته ففرح الصائم لحوقه بدرجة نفي المماثلة وكان فرحه بالفطر في الدنيا من حيث إيصال حق النفس الحيوانية التي تطلب الغذاء لذاتها فلما رأى العارف افتقار نفسه الحيوانية النباتية إليه ورأى جوده بما أوصل إليها من الغذاء أداء لحقها الذي أوجبه الله عليه قام في هذا المقام بصفة حق فأعطى بيد الله كما يرى الحق عند لقائه بعين الله فلهذا فرح بفطره كما فرح بصومه عند لقاء ربه (بيان ما يتضمنه هذا الخبر) ولما كان العبد موصوفا بأنه ذو صوم واستحق اسم الصائم بهذه الصفة ثم بعد إثبات الصوم له سلبه الحق عنه وأضافه إلى نفسه فقال إلا الصيام فإنه لي أي صفة الصمدانية وهي التنزيه عن الغذاء ليس إلا لي وإن وصفتك به فإنما وصفتك باعتبار تقييد ما من تقييد التنزيه لا بإطلاق التنزيه الذي ينبغي لجلالي فقلت وأنا أجزي به فكان الحق جزاء الصوم للصائم إذا انقلب إلى ربه ولقيه بوصف لا مثل له وهو الصوم إذ كان لا يرى من ليس كمثله شئ إلا من ليس كمثله شئ كذا نص عليه أبو طالب المكي من سادات أهل الذوق من وجد في رحله فهو جزاؤه ما أوجب هذه الآية في هذه الحالة ثم قوله والصيام جنة وهي الوقاية مثل قوله واتقوا الله أي اتخذوه وقاية وكونوا له أيضا
(٦٠٢)