التكليف فيما نص الشرع عليه لأن الحكم في ذلك له قال تعالى ألحقنا بهم ذرياتهم وقال وآتيناه الحكم صبيا وقال في المهد آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت في المهد وغيره وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ومن بره بها كونه برأها مما نسب إليها بشهادته وأتى في كل ما ادعاه ببنية الماضي ليعرف السامع بحصول ذلك كله عنده وهو صبي في المهد وقد ذكر أن الله تعالى أوصاه بالصلاة والزكاة ما دام في الحياة وأنه آتاه الكتاب والحكمة ولكن غاب عن أبصار الناس إدراك الكتاب الذي آتاه حتى ظهر في زمان آخر وأما الحكمة فظهر عينها في نفس نطقه بمثل هذه الكلمات وهو في المهد والإنسان صغير من حيث جسمه لعدم مرور الأزمان الكثيرة عليه في هذه الصورة وأصغر مدته زمان تكوينه ثم لا تزال مدته تكبر إلى حين موته فكلما كبر جسمه صغير عمره فلا ينفك من إضافة الكبر والصغر إليه فزيادته نقصه ونقصه زيادته فانظر ما أعجب هذا التدبير الإلهي (وصل في فصل زكاة الغنم) الاتفاق على الزكاة فيها بلا خلاف وبالله التوفيق (الاعتبار في هذا الوصل) قال تعالى في نفس الإنسان قد أفلح من زكاها وقد تقدم الكلام عليها وأن الله أقام الرأس من الغنم مقام الإنسان الكامل فهو قيمته فانظر ما أكمل مرتبة الغنم حيث كان الواحد منها فداء نبي مكرم فقال وفديناه بذبح عظيم فعظمه الله وناب مناب هذا النبي المكرم وقام مقامه فوجبت الزكاة في الغنم كما أفلح من زكى نفسه شعر فداء نبي ذبح ذبح لقربان * وأين ثؤاج الكبش من نوس إنسان وعظمه الله العظيم عناية * بنا أو به لم أدر من أي ميزان ولا شك أن البدن أعظم قيمة * وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان فيا ليت شعري كيف ناب بذاته * شخيص كبيش عن خليفة رحمان (وصل في فصل زكاة البقر) والاتفاق أيضا من علماء الشريعة على الزكاة فيها (الاعتبار في ذلك) يقول الله سبحانه في نفس الإنسان قد أفلح من زكاها يعني النفس ولما كانت المناسبة بين البقر والإنسان قوية عظيمة السلطان لذلك حي بها الميت لما ضرب ببعض البقر فجاء بالضرب إشارة إلى الصفة القهرية لما شمخت نفس الإنسان أن تكون سبب حياته بقرة ولا سيما وقد ذبحت وزالت حياتها فحيي بحياتها هذا الإنسان المضروب ببعضها وكان قد أبى لما عرضت عليه فضرب ببعضها فحيي بصفة قهرية للأنفة التي جبل الله الإنسان عليها وفعل الله ذلك ليعرفه أن الاشتراك بينه وبين الحيوان في الحيوانية محقق بالحد والحقيقة ولهذا هو كل حيوان جسم متغذ حساس فالإنسان وغيره من الحيوان وانفصل كل نوع من الحيوان عن غيره بفصله المقوم لذاته الذي به سمي هذا إنسانا وهذا بقرا وهذا غنما وغير ذلك من الأنواع وما أبى الإنسان إلا من حيث فصله المقوم وتخيل أن حيوانيته مثل فصله المقوم فأعلمه الله بما وقع أن الحيوانية في الحيوان كله حقيقة واحدة فأفاده ما لم يكن عنده وكذلك ذلك الميت ما حيي إلا بحياة حيوانية لا بحياة إنسانية من حيث إنه ناطق وكان كلام ذلك الميت مثل كلام البقرة في بني إسرائيل حيث قالت ما خلقت لهذا إنما خلقت للحرث ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر الذي جرى في بني إسرائيل قال الصحابة تعجبا لبقرة تكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت بهذا وما رأوا أن الله قد قال ما هو أعجب من هذا أن الجلود قالت أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهنا علم غامض لمن كشف الله عن بصيرته فوجبت الزكاة في البقر كما ظهرت في النفس ثم مناسبة البرزخ بين البقر والإنسان فإن البقر بين الإبل والغنم في الحيوان المزكى والإنسان بين الملك والحيوان ثم البقرة التي ظهر الأحياء بموتها والضرب بها برزخية أيضا في سنها ولونها فهي لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فهذا مقام برزخي فهي لا بيضاء ولا سوداء بل صفراء والصفرة لون برزخي بين البياض والسواد فتحقق ما أومأنا إليه في هذا الاعتبار فإنه يحتوي على معان جليلة وأسرار لا يعرفها إلا أهل النظر والاستبصار
(٥٩٦)