(فصول جوامع فيما يتعلق بالصلاة وبها خاتمة الباب) (وصل في إقامة الصلاة) إقامة الصلاة ظهور نشأتها على أتم خلقها وخلقها يختلف باختلاف من تنسب إليه فإذا نسبت الصلاة إلى الله فلها نشأة تخالف نشأة نسبتها إلى غير الله من ملك وبشر وغيرهما من المخلوقين فالحق ينشئها نشأة تامة ولهذا قال ورحمتي وسعت كل شئ لتمام خلقها إذا كانت الصلاة المنسوبة إليه في قوله هو الذي يصلي عليكم رحمته بعباده وسيأتي ذكر ذلك ونسبة الصلاة إلى الملك أيضا يخرجها ويقيمها تامة النشأة أي صلاة أظهرها فما يظهرها إلا تامة فلا تكون صلاة الملك إلا تامة النشأة والخلق وكذلك كل صلاة منسوبة إلى جماد ونبات وحيوان ما عدا الإنس والجن فإن صلاتهما إذا أنشأها قد تكون مخلقة أي تامة الخلقة وغير مخلقة أي غير تامة الخلق فلنذكر أولا صلاة الحق فنقول (وصل) قال تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته عموما وقال إن الله وملائكته يصلون على النبي خصوصا بخصوص صلاة فإن الضمير في قوله يصلون يجمع الحق والملائكة ولا يتمكن للملائكة أن تلحق صلاة الله على عبده فإنها لا تتعدى مرتبتها فيكون الحق ينزل في هذه الصلاة إلى صلاة الملائكة لأجل الضمير الجامع فتكون صلاة الله على النبي من مقام صلاة الملائكة على النبي بخلاف قوله هو الذي يصلي عليكم فإنه هنا ما جاء بالملائكة إلا بعد ما ذكرنا وفصل بنا بين صلاته وبين الملائكة بقوله عليكم ثم قال ليخرجكم فأفرد الخروج إليه وما جاء بضمير جامع يجمع بين الله وبين الملائكة في الصلاة على المؤمنين كما فعل في قوله يصلون على النبي فتميز النبي صلى الله عليه وسلم على سائر البشر بمرتبة لم يعطها أحد سواه أي ما ذكر لنا ذلك فعمنا كلنا والنبي صلى الله عليه وسلم من جملتنا بقوله هو الذي يصلي عليكم وأفرد نفسه في ذلك ثم قال وملائكته فأفرد الملائكة بالصلاة على العباد وفيهم النبي فلجميع الخلق توحيد الصلاة من الله وتوحيد الصلاة من الملائكة وخص النبي صلى الله عليه وسلم وحده فيما أخبرنا به بأن جمع له بصلاة جامعة اشترك فيها الله وملائكته فقال إن الله وملائكته يصلون على النبي ومعلوم أن الصلاة في الجمعية ما هي الصلاة التي في حال الإفراد فإن الحالتين متميزتان ففاز النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة ثم أمرنا أن نصلي عليه صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الصلاة الجامعة وهو أن نصلي عليه إذا كان الحق لساننا كما ورد في الخبر فحينئذ تصح الصلاة التي أمرنا بها وبهذه المثابة كانت صلاة الملائكة في هذا المقام الذي جمع بينهم وبين الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن في تلك الصلاة كان نطقهم فثبت شرفه صلى الله عليه وسلم على سائر البشر في هذه المرتبة فإنه شرف محقق الوجود بالتعريف وإن ساواه أحد ممن لم نعرف به فذلك شرف إمكاني فتعين فضله بالتعيين على من لم يتعين وإن كان قد صلى عليه مثل هذا في نفس الأمر ولم نخبر فثبت له الفضل بكل حال فلما قال تعالى بعد قوله هو الذي يصلي عليكم بعد قوله يا أيها الذين آمنوا ولم يقل بماذا هل بالوجود وبالتوحيد فحمله على الوجود الذي هو أعم أولى لأنه أعم في الرحمة فقال لهم اذكروا الله ذكرا كثيرا أي في كل حال وسبحوه أي صلوا له فسأل ابن عمر لو كنت مسبحا أتممت يريد مصليا تماما غير قصر ولهذا قال بكرة وأصيلا يعني صلاة الغداة والعشي وكذلك قال فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وعشيا وحين تظهرون فجمع الصلوات الخمس في هذه الآية وله الحمد أي الثناء انطلق في السماوات والأرض فأما تقدير الكلام فلما قال هذا وأمرنا بالذكر والصلاة قال هو الذي يصلي عليكم فأخبر أنه يصلي علينا فالمفهوم من هذا أمران الأمر الواحد أنه يصلي علينا فينبغي لنا أن نذكره بالمدح والثناء ونصلي له بكرة وأصيلا فإن في ذلك غذاء العقول والأرواح كما إن غذاء الجسم في هذه الأوقات في قوله لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ورزق كل مخلوق بحسب ما تطلبه حقيقته فالأرواح غذاؤها في التسبيح فقيل لها سبحه أي صل له في هذه الأوقات واذكره على كل حال فقيد التسبيح وما قيد الذكر بوقت فعلمنا إن التسبيح ذكر خاص مربوط بهذه الأوقات والأمر الآخر إنكم إذا صليتم وذكرتم الله فإنه يصلي عليكم فصلاتنا وذكرنا له سبحانه بين صلاتين من الله تعالى صلى علينا فصلينا له فصلى علينا فمن صلاته الأولى علينا صلينا له ومن صلاته الثانية علينا كانت السعادة لنا بأن جنينا ثمرة صلاتنا له
(٥٣٩)