من النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في ذلك والسنة أحق بالاتباع فإنه لهذا سنت وقد قال خذوا عني مناسككم في حجه صلى الله عليه وسلم إنما شرع الإحرام أثر صلاة لأن الصلاة عبادة بين طرفي تحريم وتحليل فتحريمها التكبير وتحليلها التسليم فأشبهت الحج والعمرة فإنهما عبادتان بين طرفي تحريم وتحليل فوقعت المناسبة ولأن الصلاة أيضا أثبت الحق فيها نفسه وعبده على السواء فجعل لنفسه منها أمرا انفرد به وجعل لعبده منها حظا أفرده به وجعل منها برزخا أوقع فيه الاشتراك بينه وبين عبده فإنها عبادة مبنية على أقوال وأفعال والحج كذلك ينبني على أقوال وأفعال فما فيه من التعظيم فهو لله ومن الذلة والافتقار والتفث فهو للعبد وما فيه مما يظهر فيه اشتراك فهو برزخ فوقعت المناسبة أيضا فيه أكثر من غيره من العبادات فإن الصوم وإن كان بين طرفي تحريم وتحليل فما يشتمل على أقوال ولا على أفعال ثم إن كان لك أهل في موضع إحرامك فينبغي لك إذا أردت الإحرام أن تطأ أهلك فإن ذلك من السنة ثم تغتسل وتصلي وتحرم فإن المناسبة بين الحج والصلاة والنكاح كون كل واحد من هذه العبادات بين طرفي تحريم وتحليل وقد راعى الله ذلك أعني المناسبة من هذا الوجه في الصلاة والنكاح فقال حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى الآيتين وجعل هذه الآية بين آيات نكاح وطلاق تتقدمها وتتأخر عنها وعدة وفاة وفي ظاهر الأمر أن هذا ليس موضعها وما في الظاهر وجه مناسب للجمع بينها وبين ما ذكرنا إلا كونهما بين طرفي تحريم وتحليل متقدم أو متأخر ولما أراد الله من العبد فيما نبهه به أن لا يفعل شيئا من الأفعال الصادرة منه في ظاهر الأمر إلا وهو يعلم أن الله هو الفاعل لذلك الفعل في قوله كنت سمعه وبصره فبي يسمع وبي يبصر وبي يتحرك وقال في الصلاة إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فنسب القول إليه لا إلى العبد ولم يقل بلسان عبده فلهذا شرع الإحرام عقيب صلاة لينتبه الإنسان بما ذكرناه أنه بربه في جميع حركاته وسكناته على اختلاف أحكامها فيكون في عبادة دائما بهذا الحضور ويكون فيها لا فيها فالله أظهر نفسه بحقائق * الأكوان في أعيانها فاعبده به إن كنت تعبده فلست بعابد * فانظر إلى قولي لعلك تنتبه وتفطن فإن الله ما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى سدى بل قال ذلك لتعرف أنت وأمثالك صورة الأمر كيف هو فالإحرام للعبد نظير التنزيه للحق وهو قولك في حق الحق ليس كذا وليس كذا لكونه قال ليس كمثله شئ وسبحان ربك رب العزة عما يصفون والعزة الامتناع والتسبيح تنزيه والتنزيه بعد عما نسب إليه من الصاحبة والولد وغيرهما والإحرام منع وتنزيه وبعد عن الجماع وعن أشياء قد عين الشارع اجتنابها وهو عين التنزيه والتباعد عنها ومنع صاحب هذه العبادة من الاتصاف بها (وصل في فصل نسبة المكان إلى الحج من ميقات الإحرام) أي من أي مكان أحرم عليه السلام فمنهم من قال من مسجد ذي الحليفة ومنهم من قال حين استوت به راحلته ومنهم من قال حين أشرف على البيداء وكل قال وأخبر عن الوقت الذي سمعه فيه يهل فمنهم من سمعه يهل عقيب الصلاة من المسجد ثم سمعه آخر يهل حين استوت به راحلته ثم سمعه آخر يهل حين أشرف على البيداء وقال علماء الرسوم في المكي إذا أحرم لا يهل حتى يأخذ في الرواح إلى منى والأولى عندي أن يهل عقيب الصلاة إذا أحرم ثم إذا أخذ في الرواح ثم لا يزال يهل إلى الوقت المشروع الذي يقطع عنده التلبية لأن الدعاء كان لجميع أفعال الحج فالتلبية إجابة لذلك الدعاء فما بقي فعل من أفعال الحج أمامه لم يفعله فلا يقطع التلبية حتى يفرع من أفعال الحج الذي دعاه إلى فعلها هذا يقتضي النظر إلا أن يرد نص من الشارع بتعيين وقت قطع التلبية فيقف عنده لقوله صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم ولما كان الدعاء عند أهل الله نداء على رأس البعد وبوح بعين العلة فإن الإجابة تؤذن في الحال بالبعد فكان النداء طلبا للقرب من حكم هذا البعد فالإجابة مقدمة بشرى من العبد للحق يبشره بالإجابة لما دعاه إليه من كونه يتجلى في صورة تعطي هذه النسب وإن كانت السعادة للعبد في تلك الإجابة ولكن ما خلق الله الجن والإنس إلا ليعبدوه فدعاهم لما خلقهم له ولما كان في الإمكان الإجابة وعدم الإجابة لذلك كانت الإجابة بشرى للداعي أن دعاءه
(٦٩٧)